(فصل): [في النسخ والبداء]
  تثبت (باستحقاق) لها (شرعي) أي: بدليل من الشرع، أي: باختيار من الشارع لصاحبها؛ لأنها تالية للنبوَّة، والنبوَّة لا تكون إلَّا بالاختيار، فكذلك الإمامة (لرجل) واحد (لا يكون فوق يده يد مخلوق).
  فقوله: «عامة» خرجت الخاصة، كرياسة أمراء أهل السرايا ونحوهم. وقوله: «بدليل شرعي» أي: باختيار من الشارع لصاحبها وإن كان فرض الإمامة جملة معلوماً بالعقل، وخرجت الرياسة التي تكون بالقهر والغلبة والاختيار من القبيلة. وقوله: «لرجل» خرج بذلك المرأة.
  وقولنا في الشرح: «واحد» احتراز من النبوَّة فإنها قد تثبت لاثنين وأكثر والفارق بينهما الإجماع.
  ووجهه: أنَّ تعدد الأئمة في وقت واحد وبلاد واحدة يؤدي إلى التشاجر والنزاع والفساد، بخلاف النبوَّة فلا يقع فيها ذلك؛ لأن النبي يتبع الوحي، وإذا تباعدت الديار جاز قيام إمامين، والله أعلم.
  وقوله: «لا يكون فوق يده يد مخلوق» زيادة توضيح، وإلَّا فقد أغنى عنه قوله: «عامة»، والله أعلم.
  قال (بعض أئمتنا $ وأبو القاسم البلخي) وأبو الحسين البصري والجاحظ وغيرهم: (وهي واجبة عقلاً وسمعاً) أي: يحكم العقل بوجوبها والشرع قد قضى به، أمَّا الشرع: فلما سيأتي. وأما العقل: فلما مَرَّ من حاجة الناس إلى الإمام؛ لدفع ضرر بعضهم عن بعض، ولحفظ الشريعة، وإحياء ما اندَرس منها؛ لأن الناس مع كثرتهم واختلاف هممهم وقوة دواعيهم إلى العدوان وميل أنفسهم إلى الظلم لا يكادون ينزجرون ويكف بعضهم شرَّه عن بعض إلَّا إذا كان هناك رئيس له قوة وسطوة وأعوان فيمنعهم خوفه عن التوثُّب في العدوان؛ ولهذا إذا ضعف السلطان أو تشاغل عن النظر في أمور العامة كثر في الناس الظلم والفساد وخافت الطرق وتغلب القوي على الضعيف، ثم إنه لا توجد قبيلة في كل زمان إلَّا ولها رئيس يمنع القوي من الضعيف وينتصف للمظلوم من الظالم.