(فصل:) [شروط صاحب الإمامة]
  هذا، ولكن العقل يقضي بأن هذا هو الأَوْلى.
  قلت: فكيف إذا قرر الله سبحانه هذه الدلالة العقلية وجعل عترة النبي ÷ التي شهد بطهارتها وحكم بمودتها على الأمة قائمة مقام النبي ÷ في هداية عباده وإحياء شريعته، وإقامة حججه؛ لِمَا عُلِمَ من طهارتهم وتزكيتهم.
  ووجه دلالة هذه الآية الكريمة: أن الله سبحانه ابتدأ بذكر الولاية فقال ø: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}، ثم عقَّب ذلك بقوله: {وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}[الأحزاب ٦]، فدل ذلك على أن أولاده أولى بمقامه في الولايات من غيرهم، هكذا ذكره الحاكم أبو سعيد الجشمي في تنبيه الغافلين.
  قال: ويصحِّح ذلك ما رويناه في حديث غدير خم أن النبي ÷ قال: «ألست أولى بكم من أنفسكم؟» قالوا: بلى، قال: «فمن كنت مولاه فعلي مولاه». قال: وروينا عن النبي ÷ أنه قال: «كل بني أُنثى ينتسبون إلى آبائهم إلَّا الحسن والحسين فأنا أبوهما وعصبتهما».
  الشرط الخامس: ما ذهب إليه (جمهور أئمتنا $، و) هو (الاجتهاد) أي: يكون مجتهداً في العلوم؛ ليتمكن من استنباط الأحكام فيُرشد الضال وَيَحلَّ الشُّبَه ويُجيب الفتوى. وقد ذكر أصحابنا في كتبهم: أن المجتهد من جمع علوماً خمسة:
  علم العربية، وآيات الأحكام، ومعرفة سنة الرسول ÷، ومسائل الإجماع، وعلم أُصول الفقه.
  وأما علم أُصول الدين فهو من تمام الإسلام والدين، وأما علم المنطق فهو من علوم الفلسفة؛ فلا ينبغي تعلمه، ولغة العرب قد أغنت عنه.
  واعلم أن القدر الذي يحتاجه الإمام من العلوم المذكورة هو أمر سهل يسير غير عسير مع الذكاء والفطنة، وعمدة الإمامة ورحاها الذي تدور عليه هو الورع، ومن وقف على سِيَرِ الأئمة المتقدمين $ عَلِمَ صدق ما قلنا.