(باب) [الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
  قال #: (قلت وبالله التوفيق: ويجب أيضاً أمر العارف بالمعروف ونهي العارف بالمنكر وإن لم يحصل الظن بالتأثير) وذلك للإعذار إلى الله سبحانه بالخروج من عهدة الواجب وتأكيد الحجة على المأمور والمنهي؛ (لقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}) [الأعراف ١٦٤].
  (والمعذرة إلى الله تعالى لا تكون عما لا يجب) فثبت كون الواعظين فعلوا ما يجب عليهم، مع أنهم قد قرَّروا قول الطائفة التي قالت: لم تعظون قوماً الله مهلكهم، أي: لا ينفع الوعظ فيهم، فكأنهم قالوا: صدقتم، لكن ليس ذلك عذراً لنا في السكوت؛ لأنه يجب علينا أن نفعل ذلك معذرة إلى الله تعالى، أي: لنخرج عما يجب علينا له تعالى من إلزام الحجة على من عصاه حتى يكون ذلك عذراً لنا في النجاة من عقابه.
  وأما قوله تعالى: {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} فإنه علَّةٌ أُخرى في وجوب الوعظ فكأنهم قالوا: إن الوعظ والتذكير واجب علينا بكل حال إمَّا للخروج من عهدة الواجب أو لِرَجْوَى ارتداعهم واتَّعاظهم، ويدل على هذا قوله تعالى بعدها: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ} الآية [الأعراف: ١٦٥]، فلم يُخبر الله إلَّا بنجاة الناهين فقط، ورُوي عن ابن عباس أنه قال: والله ما سمعت الله ذكر أنه نجَّى إلَّا الفرقة التي نَهَتْ واعتزلت، ولقد أهلك الله الفرقتين جميعاً، ومثله ذكر القاسم # في كتاب الهجرة.
  (وإنما يجب ذلك) أي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمن هو عالم بهما مع عدم ظن التأثير (ريثما يتحول المتمكن من الهجرة إليها) أي: في مدة تحول من كان متمكناً من الهجرة إلى الهجرة؛ لأنه إن كان لا تأثير لأمره ونهيه ولم يكن في بقائه مصلحة عامة ولا كان من المستضعفين الذين استثناهم الله تعالى وجب عليه الهجرة من دار العصيان إلى غيرها؛ (لِمَا يأتي إن شاء الله تعالى).