(باب) [الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
  وقوله تعالى: {إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً}[آل عمران ٢٨]، وقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ} الآية [المائدة ٣].
  ووجه دلالة هذه الآيات أنه إذا جاز فعل المحظور بهذه الضرورة المذكورة فبالأَوْلَى أنه يجوز ترك الواجب، وهو الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ للإجماع على أن ترك الواجب أهون من فعل المحظور.
  قال الإمام يحيى #: ما أباحه الاضطرار أباحه الإكراه؛ لقوله تعالى: {إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}، ولقوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} وهي في عمار وياسر حين أُكْرِهَا على الكفر.
  قال: وترك ما أُكْرِهَ عليه أفضل وإن قُتِلَ؛ لتفضيله ÷ إيمان ياسر لَمَّا صبر على القتل.
  وقال الإمام المهدي #: الإكراهُ يكون بوعيد القادر إمَّا بقتلٍ أو قطع عضو أو ضربٍ أو طعن بذي حَدٍّ، وهذا مُؤثِّر إجماعاً، وإمَّا بلطمٍ أو ضرب فيُشترط في كونه مؤثراً التَّضَرُّرُ، وإما بالحبس فلا بُدَّ من كونه كذلك فالساعة ليس بإكراهٍ والسنة إكراهٌ وما بينهما مُخْتَلَفٌ، والضابط التَّضَرَّرُ ... إلى أن قال حاكياً عن المذهب وأبي حنيفة: ولا يبيح المحظور إلَّا الضرر(١) المُفضي إلى التلف أو ما في حكمه، قال: كالميتة لا يُبيحها إلَّا خشية التلف فَقِيْسَ عليها.
  قلتُ: ما خلا قتل الآدمي وإيلامه [والزنا(٢)] فلا يُبيحه الإكراه. قال النجري: لأن الإكراه إنما يُستباح به من القبائح ما يمكن خروجه عن كونه قبيحاً [والإضرار بالغير لا يخرجه عن كونه قبيحًا(٣)] وأمَّا سَبّ الآدمي فيُبيحه الإكراه؛ لأنه لا يتضرر منه المسبوب مع علمه بالإكراه، ولقول علي #: (فأما
(١) في (ب): «الضرب».
(٢) ساقط من الأصل. وثابت في (أ، ب).
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل. وثابت في (أ، ب).