[أسباب الكفر وأنواعه]
  ومختلف فيه، وهو ضربان:
  أحدهما: ما هو من كفر التصريح ولكن صَدَرَ من صاحبه لا على جهة التمرد بل مع اجتهاد في معرفة الحق، فأكثر الأُمة على أنه كفر كالأول من غير فرق، وعن الجاحظ والعنبري: أنه لا عقاب على أهل هذا الضرب وأنهم معذورون.
  الضرب الثاني: كفر التأويل، وفيه خلاف شديد.
  قال: فإن قلت: ما الفرق بين كفر التصريح وكفر التأويل؟
  قال #: كفر التصريح: هو ارتكاب شيء مما يُوجب الكفر بعينه.
  وكفر التأويل: هو ارتكاب ما يُماثل شيئاً من تلك الأمور مع مناكرة المرتكب له في المماثلة بينهما لشبهةٍ يَدَّعي اقتضاءها ذلك.
  قال: ولنذكر له مثالين فهما كافيان:
  الأول: قول المجسمة: إن الله تعالى جسم ذو أعضاءٍ؛ فإن المعلوم ضرورة من دين النبي ÷ أن الله لا يُشْبِهُ خلقه، وأنه دَانَ بذلك.
  فلو قال المجسم: إنه سبحانه شبيه بخلقه كان بذلك كافر تصريح؛ لأنه قد كَذَّبَ النبي ÷ حيث أثبت ما نفاه، لكنه زعم أن قوله: «إن الله جسم ذو أعضاءٍ وجوارح» ليس من التشبيه الذي جاء الرسول ÷ بنفيه، وأن الرسول إنما حَرَّم تشبيه الله بعباده في صفات النقص، من الحدوث وتوابعه، من الموت والتألم ونحوها، وذلك لشبهة وهي الظواهر التي في القرآن والسنة، فهذا كافر تأويل؛ لأنه لم يثبت لله من الوصف عين ما جاء الرسول ÷ بنفيه فيكون مُكَذِّباً، وإنما أثبت مثل ما نفاه ÷ وزعم أنه غير مثل له.
  المثال الثاني: قول المجبرة: «إنه تعالى فاعل الظلم والكذب والعبث» فإن المعلوم ضرورة من دين النبي ÷ أن الله تعالى لا يجوز أن يُوصف بأنه ظالم أو كاذب أو عابث وأنَّ مَنْ وَصَفَهُ بذلك أو اعتقده فيه فقد كفر، وهؤلاء القوم لم يصفوه بذلك ولا اعتقدوه فيه، لكنهم وصفوه واعتقدوا فيه أنه فاعل للظلم