(فصل: في ذكر التفسيق)
  [مخالفة(١)] (كل الأمة) أي: علماء الأمة (أو كل العترة $) كذلك، والمراد: خالفهم في شيءٍ من الشرائع الدينية؛ لأن الحق لا يخرج عن أيديهم، فلا يجوز إجماعهم على خطإٍ؛ لعصمة جماعة العترة $؛ للأدلة المتقدم ذكرها، والمراد العلماء لا غيرهم، وذلك (فيما مستنده غير الرأي) كذا ألحقه الإمام #، ولعله يحترز به عن الإجماع في الأمور الدنيوية كالآراء والحروب، والله أعلم.
  (عمداً) أي: وهو عالم أنه مخالف لهم في قوله، (فهو فاسق؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}) [النساء ١١٥] فعلم بهذه الآية أن معصيته كبيرة، وما رُوي من قوله ÷: «من فارق الجماعة قيد شبرٍ فقد خلع رِبْقَةَ الإسلام من عنقه»(٢).
  والحق أن الحجة الواضحة في كون الإجماع حجةً هو ما ورد في جماعة العترة من الأدلة المعلومة على أن الحق لا يخرج عن أيديهم، وأنه يجب على كل مكلف الاعتزاءُ إليهم والكونُ معهم من خبري السفينة، و «إني تارك فيكم»، وآية التطهير وغير ذلك كما سبق ذكره.
  وعن النَظَّام والرافضة وبعض الخوارج: أن الإجماع ليس بحجة، واختلف الرواة عنهم: فمنهم من زعم أنهم إنما خالفوا في ثبوته، لا في كونه حجة؛ لأن انتشار الأُمة يحيل اطِّلاع كل واحد منهم على الحكم. ومنهم من حكى أنهم يُنفون كونه حجة ولو ثبت.
  وقال الرازي والآمدي: هو حجة ظنية، فعلى قولهما لا يقطع بفسق مخالفه،
(١) زائد (نخ) في الأصل.
(٢) رواه المتوكل على الله أحمد بن سليمان # في حقائق المعرفة، ورواه أبو داود في سننه، والحاكم في المستدرك، وأحمد في مسنده، والبيهقي في سننه، والشهاب القضاعي في مسنده، والبزار في مسنده، وغيرهم.