(فصل:) [التوبة تكفر السيئات]
  واعلم أن من فعل معصيةً ثم تاب عنها سقط عنه عقابها، فإذا نقض التوبة وعاد إلى تلك المعصية فقالت البصرية وأبو القاسم البلخي: لا يعود.
  وقال بشر بن المعتمر: بل يعود.
  وجه قول البصرية: أن الفعل الأول قد بطل بالتوبة فصار كأن لم يكن، فلو عاد عقابه لما كان سببه إلَّا الفعل الثاني فيصير كأنه يستحق عقابين على فعل معصية واحدة.
  ووجه قول بشر بن المعتمر: أن المُوجب لارتفاعه هو التوبة وقد زالت التوبة فيعود.
  وأما وجه قول أبي القاسم فهو: أن إسقاط العقاب عند التوبة تَفَضّل عنده، فلا يجوز الرجوع فيه بعد بطلان التوبة.
  (قيل: ويعود بالتوبة ما أحبطته المعصية) من ثواب الحسنات، هذا القول لأبي القاسم البلخي، وأبي بكر النجاري من أصحاب أبي هاشم، وبشر بن المعتمر من البغدادية، ويدل عليه كلام الناصر # فيما سبق، فقالوا: يعود الثواب الذي كان قد انحبط بفعل المعصية. قالوا: لأن انحباطه عقاب وقد سقط العقاب بالتوبة.
  قال #: (ولا دليل على ذلك) أي: على قولهم؛ لأن انحباط الثواب ليس بعقابٍ، وقد علمنا بالدليل القاطع بطلان الثواب بالمعصية فلا يعود بعد التوبة إلَّا بدليلٍ، وبه قال الحسين بن القاسم العياني #.
  ويمكن أن يدل عليه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} ... إلى قوله: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا}[البقرة ٢٦٤].
  وقال الإمام المهدي #: إن التائب بعد انحباط ثوابه على الطاعات السابقة قبل التوبة لم يعد ثوابه الذي كان قد اجتمع قبل فعل الكبيرة المُحبطة، ولا الثواب الذي منعت الكبيرة عن استحقاقه من وقت فعلها إلى وقت التوبة، ولكنه