عدة الأكياس في شرح الأساس لعقائد الاكياس،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل): في ذكر الإحباط وكيفيته

صفحة 361 - الجزء 2

  وحكى البُستي عن الناصر # أنه قال: إن الله تعالى لا يدع جزاءً على صالح أعمال مرتكب الكبيرة، لا في الآخرة، بل في الدنيا يُمِدُّهُ بالزيادة في عمره وإمهاله، والسلامة والصحة في بدنه وجوارحه، وأن يُضاعف المنن والإحسان لديه بالتثمير في ماله والنمو في ولده، حتى يوفيه من الجزاء على صالح عمله في الدنيا.

  قلت: ولعل هذا معنى قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ ١٥ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ} الآية [هود].

  (قالوا) أي: مخالفونا الذين ذهبوا إلى الموازنة: (يُفرق في العقل بين من أحسن بعد الإساءة، وبين من أساء ولم يحسن) أي: يحكم العقل بأن الذي أحسن وأساء له مزيةٌ وفضلٌ على [من⁣(⁣١)] أساء ولم يُحسن، كرجلٍ قَطَعَ عمره في عبادة الله ثم فعل كبيرةً ومات، وآخر لمَّا بلغ أوان التكليف فَعَلَ مثل تلك الكبيرة ثم مات، فيلزم أن يكون عقابهما سواءً، ونحن نعلم أنه لا بُدَّ من فرق بينهما، ولا فرق إلَّا بما ذكرنا.

  (قلنا: يحسن في العقل رَدُّ إحسان المسيء الغير المُقلع) عن الإساءة، كمن أساء إليك بقتل ولدك ثم أحسن إليك وهو غير مرتدع عن قتل الولد الآخر؛ لأن إحسانه مع الإساءة وعدم الإقلاع كالاستهزاء، (ومع الردِّ) لإحسانه (لا فرق بينه وبين من لم يُحسن؛ لعدم حصول ما يستحق به المكافأة، وهو قبول الإحسان) وذلك واضح.

  لا يُقال: إذا ثبت الإجماع على عدم وجوب القضاء فيمن فعل طاعة من أهل الكبائر الغير المُخرجة من الملة فلا يُعاقب حينئذٍ على الإخلال بتلك الطاعة؛ لأنه قد فعلها وسقط عنه قضاؤها، وحينئذٍ قد وصل إليه خيرٌ مِنْ فِعْلِهَا، وهو عدم العقاب عليها.


(١) في الأصل: الذي. وما أثبتناه من (أ، ب).