(فصل:) [والثواب والعقاب مستحقان عقلا وسمعا]
  فوجوب شكر المنعم متقررٌ في العقول من غير نظر إلى انتفاع المنعم بالشكر، حتى لو قال قائل: قد أسقط المالك المنعم عَلَّي وجوب شكره لَعُدَّ جاحداً لنعمه كافراً لإحسانه، وليس كذلك العقاب فإنه لا معنى لكونه حقاً لله تعالى إلَّا أن يعود إليه منه أيُّ منفعة، وذلك محال؛ فثبت أن معنى كونه حقاً هو كونه مصلحة راجعة إلى المكلفين كما قَرَّرْنَا، والله أعلم.
  وأما استحقاق الثواب بمجرد العقل ففيه إشكالٌ على مقتضى ما قَرَّرَهُ الإمام # ورواه عن أئمة العترة $ من أن الطاعات شكر، وهو أيضاً قول البغدادية كما سبق ذكره.
  إلَّا أن يُقال: قد ثبت أن الله سبحانه غني لا يجوز عليه الانتفاع بشيءٍ من أفعال عباده وقد كلَّفهم الأمور الشاقة فلا بُدَّ أن يرجع إليهم من فعلها مصلحة لكونه تعالى حكيماً، وانتفاعه جل وعلا بأفعال عباده محال، فهي وإن كانت شكراً له تعالى على نعمه لا بُدَّ أن يستحقوا عليها منفعة ومصلحة من جهة الجود والحكمة والعدل، وإلَّا كان شكره تعالى عبثاً، بخلاف شكر غيره من المخلوقين فإنه يرجع إلى المشكور منه انتفاع وتَلَذُّذٌ بالشكر، والله أعلم.
  وهذا معنى ما ذكره أمير المؤمنين # ولو كان لأحدٍ أن يُجرى له ولا يُجرى عليه لكان ذلك خالصاً لله ø دون خلقه؛ لقدرته على عباده ولعدله في كل ما جرى به صروف قضائه، ولكنه جعل حقه على العباد أن يطيعوه وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضُّلاً منه وتَوَسُّعاً بما هو من المزيد أهله.
  وقوله #: (إن الله وضع الثواب على طاعته والعقاب على معصيته ذِيَادةً لعباده عن نقمته وحِيَاشَةً لهم إلى جنته)(١).
  وقوله #: (أوصيكم عباد الله بتقوى الله فإنها حق الله(٢) عليكم والموجبة
(١) ذكره في نهج البلاغة.
(٢) في الأصل: فرائض الله. وما أثبتناه من (أ).