[أقسام النظر وما هو الواجب منه]
  كالجاحظ(١) وأبي علي الأسواري(٢). قال: إلا أنهم افترقوا، فمنهم من قال: إن المعارف كلها تحصل إلهاماً، وهؤلاء لا يوجبون النظر البتة. ومنهم من قال: إن المعارف(٣) تحصل بطبع المحل عند النظر فيوجبون النظر، لكن لا على هذا الوجه الذي أوجبناه، فبقي الخلاف بيننا وبينهم.
  قال: وقد حُكي عن بعض المتأخرين - أظنه المؤيد بالله(٤) # - أنه يجوز أن يكون من المكلفين من يعرف الله تعالى ضرورةً في دار الدنيا مع بقاء التكليف(٥)، كالأنبياء والأولياء والصالحين.
  قلت: وهذا صحيح، ولا يبعد أن يكون أصل معرفته تعالى إلهاماً منه ø وفطرةً فطر العقول على ذلك كما فطرها على إدراك المدركات، وقد أشار إلى ذلك
(١) عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ، كبير أئمة الأدب، ورئيس الفرقة الجاحظية من المعتزلة. مولده ووفاته في البصرة (١٦٣ - ٢٥٥ هـ). فلج في آخر عمره، وكان مشوه الخلقة، ومات والكتاب على صدره، قتلته مجلدات من الكتب وقعت عليه. له تصانيف كثيرة منها: الحيوان (ط) أربعة مجلدات، والبيان والتبيين (ط). (الأعلام للزركلي باختصار).
(٢) هو أبو علي عمر بن فائد الأسواري من الطبقة السابعة من المعتزلة، وكان من أصحاب أبي الهذيل، مات بعد المائتين هجرية. (المنية والأمل، والأعلام باختصار).
(٣) الإلهية. من هامش (ب).
(٤) الإمام المؤيد بالله أبو الحسين أحمد بن الحسين بن هارون بن الحسين بن محمد بن هارون بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب $. دعا سنة ثمانين وثلاثمائة، أفاد الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة # أنه لم ير في عصره مثله فضلاً وزهداً وعلماً وسخاوة وشجاعة وورعاً وحلماً، لم يبق علم من علوم الدنيا والدين إلا وقد ضرب فيه بأوفر نصيب. توفي الإمام المؤيد بالله # يوم عرفة سنة إحدى عشرة وأربعمائة، ودفن يوم الأضحى، وصلى عليه الإمام مانكديم، مشهده بـ (لنجا) وعمره سبع وسبعون سنة، وله المؤلفات الباهرة منها كتاب التجريد وشرحه أربعة مجلدات. (التحف باختصار).
(٥) أي: في الدنيا