(فصل): [ذكر ما يدرك بالعقل وتقسيمه]
  قلت: يؤكد هذا القولَ كثيرٌ من آيات القرآن وغيرها، ولأن شكر المنعم واجب عقلاً فلا يصح إسقاطه، ولا يتم ذلك إلا بإرسال الرسل؛ لأنهم المنبئُون عن الله سبحانه كيفيةَ الشكرِ، والله أعلم.
(فصل): [ذكر ما يدرك بالعقل وتقسيمه]
  (وما يدرك بالعقل قد يكون بلا واسطة نظر) أي: من دون إعمالِ فكرٍ ونظرٍ في مقدماتٍ ولوازم (كالضروريات) أي: التي تعرف بضرورة العقل وبديهته، سواء أدرك بالحواس أو لا، (و) قد يكون (بواسطة نظر كالاستدلاليات)، كمعرفة الله سبحانه فإنها إنما تدرك بالتفكر في صنعه المحكم.
  قالت البغدادية: ومن ذلك العلم بمُخْبَرِ الأخبار المتواترة فإنها إنما تعلم بالاستدلال. وقال الجمهور: هو ضروري.
  (والإدراك به) أي: بالعقل ينقسم إلى قسمين: (إن عَرِيَ عن حكم) أي: عن نسبة شيءٍ إلى شيءٍ نفياً كان أو إثباتاً (فتصوُّرٌ)، وسمي تصوراً لأنه يُعلم به صور الأشياء ومفرداتها، ومعنى ذلك أنه يحصل في ذهن الإنسان صورة مطابقة لما في الخارج، قال #: وهذا فيما يمكن تصوره، وأما ما لا يمكن تصوره كالعلم بالله تعالى فإنه يسمى إيماناً.
  (وإن لم يَعْر) الإدراك بالعقل عن النسبة (فتصديق) أي: يسمى تصديقاً؛ لصحة دخول التصديق في الخبر المطابق له.
  وكلُّ واحدٍ من التصور والتصديق: ضروري ومكتسبٌ.
  فالضروري منهما: هو الاعتقاد الذي لا يقف على اختيار المختص به مع سكون النفس إليه. وهو ينقسم إلى: ما يحصل فينا مبتدأ، كالعلم بأحوال أنفسنا من كوننا مريدين وكارهين ونحو ذلك، وإلى ما يحصل فينا عن طريقٍ، كالعلم بالمدركات فإن الإدراك طريق إليه.
  والمكتسب: ما يقف على اختياره كذلك، أي: مع سكون النفس إليه.