[الاختلاف حول معنى نسخ الحج إلى العمرة]
  وقد بلغني عن أبي ذر أنه قال: [٤٥/ ٢] (الفسخ إنما كان لأصحاب محمد صلى الله عليه وعلى [٩ ب - حـ] آله وسلم خاصة دون غيرهم)(١).
  قال عبد الله بن الحسين ª: وأنا أحسب - والله أعلم - أن النبي ÷ لما أهل بالعمرة والحج قرنهما معاً فَعل ذلك الناس بالجهل منهم، وظنوا أنه يجوز بلا سوق هدي، ولا يكون قارناً إلاَّ بهدي، فلما أن فعل ذلك الناس أمر رسول الله ÷ [٧٩ أ - ب] من لم يسق هدياً أن يجعلها عمرة يتمتع بها إلى الحج، فهذا عندي كما كان المعنى في ذلك مع ما قد قدمنا من قولنا: إنها خاصة له ÷ غير أنه قد بلغني عن ابن عباس أنه كان يفتي بفسخ الحج ويقول: إنه عام غير خاص، ولا يطوف بالبيت أحد إلاَّ أحل، ويحتج بما ذكرنا عن رسول الله ÷ من فسخ الحج إلى العمرة في حجة الوداع، ويحتج بقول الله تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ}[الحج: ٣٣]، ولا أدري ما هذا الخبر، ولا ما [٢٠ أ - أ] صحته عن ابن عباس. وبلغني عن رسول الله ÷ [٤٦/ ٢] أن سراقة بن مالك بن جشعم(٢) قال: يا رسول الله، عمرتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد؟ فقال: «للأبد للأبد» كرَّر ذلك مرتين أو ثلاثاً(٣)، وفي حديث آخر [٤٧/ ٢] أنه شبك بين أصابعه وقال: «هي للأبد للأبد، دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة» فتأول قوم أن قوله ذلك إنما أراد به فسخ الحج الذي يهل به الرجل، ثم يتداوله فيفسخه ويجعلها عمرة، وقال آخرون: إن دخولها في الحج هو التمتع بالعمرة إلى الحج، وهذا قولنا وبه نأخذ، ولا نرى أن الفسخ يجوز لأحد بعد من مضى من الخاصة التي ذكرنا، ومن حججنا قول الله سبحانه: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ}[البقرة: ١٩٦]، فأبان بذلك أن التمتع بالعمرة واجب، وأنه ليس ثمَّ فسخ.
(١) أخرجه أبو داود في سننه (٢/ ١٦١ ح ١٨٠٧)، والبيهقي في السنن الكبرى (٥/ ٤١).
(٢) هو سراقة بن مالك بن جعشم بن مالك بن عمرو بن مالك، يكنى أبو سفيان، من مشاهير الصحابة، كان ينزل قديراً وهو الذي لحق النبي ÷ يوم الهجرة إلى المدينة. انظر: تهذيب التهذيب، (٣/ ٣٩٧ - ٣٩٨)، أسد الغابة. (٢/ ٢٦٤ - ٢٦٦).
(٣) أخرجه أبوا داود (٢/ ١٨٤ خ ١٩٠٥)، والنحاس في الناسخ والمنسوخ ص (٣٥).