[شهادة أهل الذمة]
  الآية محكمة(١)، وهي في أهل الإسلام خاصة دون أهل الذمة، ومن الحجة على من خالفنا قول الله ø: {اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} فأين العدالة من أهل الذمة وهم يجعلون للرحمن ولداً، ويجحدون محمداً لعنهم الله.
  وقد بلغني من حيث أحب [٣٩/ ١] أن رسول الله ÷ قال: «المائدة آخر سورة نزلت من القرآن فأحلوا حلالها وحرموا حرامها»(٢)، ومن الحجة عليهم أيضاً قوله تبارك وتعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ}، ومن الحجة أيضاً قول الله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} فلا يكون من المشركين عدولاً ولا رضى أبداً [٨ ب - جـ].
  قال عبد الله بن الحسين ª: وإنما غلط من خالفنا في المعنى من جهة تأويل الآية وتفسيرها(٣)، وإنما المعنى فيها {اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} يعني من القبيلة الحاضرة أو من غيرهم من المسلمين إذا لم يكن فيمن حضر من قبيلتكم عدلان يوثق بهما على أداء الشهادة، ففي غيرهما من قبائل المسلمين، فتأولوا الذين سمعوا الآية [١٨ أ - أ] وظنوا أن قوله: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} أي من غير أهل دينكم، وأنما المقصود بذلك أهل الذمة، وأن المخاطب بها جميع المسلمين، وأن المخاطبة لمن نزل به مثل ما ذكر الله والمعنى للجميع، وكذلك كتاب الله تجيء اللفظة والمخاطبة للواحد
(١) وممن ذهب إلى ذلك: ابن عباس وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وابن سيرين وقتادة والشعبي والثوري وابن حنبل والطبري والنحاس وابن الجوزي وابن كثير.
(٢) الحديث: أخرجه الحاكم في المستدرك (٢/ ٣١١)، وانظر: النحاس ص (١١٠)، تفسير القرطبي (٦/ ١)، فتح القدير (٢/ ٣ - ٤)، التبيان لابن أبي النجم، نواسخ القرآن ص (١٣٩).
(٣) لتفسير قوله تعالى: {ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ...} قولان:
الأول: من أهل دينكم وملتكم، وهو المروي عن ابن عباس، فقد روي عنه {ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ...} أي: من أهل الإسلام، وهو قول ابن مسعود وشريح وسعيد بن المسيب وابن جبير ومجاهد وابن سيرين والشعبي والنخعي وقتادة وأبي مخلد ويحيى بن يعمر والثوري.
الثاني: أن معنى قوله تعالى: {... مِنْكُمْ ...}: من عشيرتكم وقبيلتكم وهم مسلمون أيضاً، قاله الحسن وعكرمة والزهري والسدي، وفي قوله تعالى: {أَوْ آخَرَانِ ...} قال ابن عباس: إن (أو) ليست للتخيير وإنما المعنى: أو آخران من غيركم إن لم تجدوا منكم، وفي قوله تعالى: {مِنْ غَيْرِكُمْ} قولان:
الأول: من غير ملتكم ودينكم، وقد ذهب إليه أرباب القول الأول سابقاً.
الثاني: من غير عشيرتكم وقبيلتكم وهم مسلمون أيضاً، وذهب إليه أرباب القول الثاني. انظر: جامع البيان (٥/ ١٠١) وما بعدها، نواسخ القرآن (١٥١ - ١٥٢).