باب السيرة في أهل الفسق وأهل البغي وأحكامهم عند الظفر بهم
  الأمر النظر واجتهاد رأيه في الحوادث، ولهذا فإنه # عف عن دور أهل البصرة مع البغي وخرّب دار جرير بن عبد الله وغيره.
  وأما فرقنا بين دار المؤمنين ودار الكافرين بذكر دار الفاسقين فلأن الأسماء اختلفت لاختلاف مواقعها فاحتاجت إلى التمييز، وقد ثبت أن الفاسقين تأويلاً وتصريحاً خرجوا عن حقيقة اسم المؤمنين واسم المسلمين إذ لا حقيقة تقتضي أن أهل دار البغي مؤمنين ولا مسلمين بل مجرمين فاسقين، فسمينا كل أرض يغلبون عليها وتنفذ أحكامهم فيها دار الفاسقين ودار المجرمين، وكما أن هذا الاسم حادث في عصر واصل بن عطاء فكذلك(١) حكم هذه الدار حادث لوضوح أمرها وغلبة أهلها وتماديهم وتشايعهم على المنكر عموماً بخلاف الأعصار المتقدمة فإن المعاصي كانت تحدث من الواحد والإثنين ومن الجماعة على وجه التأويل، كما في الخوارج على عهد علي # وجلالة الإسلام باقية، وظواهر أحكامه جارية إلى وقت بني أبي سفيان وبني مروان، وكما لم يحسن لأحد أن يقول لأحد(٢) لم أحدثتم اسم الفاسق ولم يذكره(٣) السلف، فلا يقال لم سميتم دار هؤلاء دار الفاسقين وما هو مذكور في كتب آبائنا $ فهو كلام على أمر ماضٍ مستقر ليس فيه نزاع ولا حرب، أو في أهل بغي متمسكون بأحكام الشريعة إلا في مخالفة الإمام، وهي مسألة واحدة يكفي فيها الرجوع إلى الله سبحانه وإلى إمام الحق.
  فأما فساق زماننا وظلمتهم، فما معهم من الإيمان إلا مجرد الشهادة، فبعض
(١) في (ب): وكذلك.
(٢) زيادة في (ب).
(٣) في (ب): ينكره.