العقد الثمين في أحكام الأئمة الهادين،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الكلام عليهم في البداء]

صفحة 184 - الجزء 1

[الكلام عليهم في البداء]

  ومما ذهبوا إليه البداء، والكلام عليهم فيه أن يطالبوا بالدليل، ولن يجدوه أبداً، لأن البداء من صفات المخلوقين، ويتعالى عنه رب العالمين، لأنه لا يبدو إلاَّ لمن يجهل الحوادث في مستقبل الأمور فيبدو له ما لو علمه في الإبتداء لم يقل ما قال أو لم يفعل ما فعل، والله يتعالى عن ذلك، فلو كان كذلك لم يثق⁣(⁣١) بشيء من أخباره ولا أخبار رسوله ÷ فيؤدي ذلك إلى سوء الظن بالله تعالى، وإن أخباره عما يكون يجوز أن لا يكون فيكون ذلك كذباً، والكذب قبيح، والله تعالى لا يفعل القبيح على ما ذلك مقرر في مواضعه من أصول الدين، فإن قيل فهذا قبح عليكم في أمور العاصين والمطيعين إذا أخبر تعالى بدخول هؤلآء النار وهؤلآء الجنة.

  قلنا: الأخبار عمَّن هذه سبيله [مشروط]⁣(⁣٢) بالإستمرار على الطاعة، أو الإستمرار على المعصية، أو إقامة الموصوف على تلك الصفة بخلاف من يخبر بشيء على وجهٍ ثم يكون مخبره على غير ما هو عليه وهو على ذلك الوجه والحال، فاعلم ذلك.

  قال شاعر العرب:

  وليس تحجبني الأخلة إن بدا لي ... الرأي بعد الرأي أن أتقلب

  فلما بدا له الخلاف ما كان يعلم تقلب، وقال آخر:

  لو أن صدور الأمر يبدين للفتى ... كإعجازه لم تُلْفِه يتندم

  ومثل هذا لا يجوز على رب العالمين، لأنه علام الغيوب ولأنه إذا بدا للخالق


(١) في (ج): لم نثق.

(٢) سقط من (أ).