مجموع السيد حميدان،

حميدان يحيى القاسمي (المتوفى: 700 هـ)

[الكلام في أفعال الباري سبحانه، وذكر خلاف المطرفية والمجبرة]

صفحة 115 - الجزء 1

  ومما يدل على بطلانها: أنهم إذا سئلوا عن الأجسام والأعراض الضرورية، هل لها خالق غير الله سبحانه؟ أقروا أنه لا خالق لها إلا هو سبحانه، وإذا سئلوا عن أرزاق العصاة، هل هي أجسام؟ وعن الآلام، هل هي أعراض ضرورية؟ أقروا بذلك، وكذلك إذا سئلوا عن الفطرة، هل هي فاعلة مختارة أو علة موجبة؟ صاروا في جميع ذلك وما أشبهه في حيرة مترددين، لا هادين ولا مهتدين.

  وأما أصحاب القول بالجبر: فهم الأشعرية القدرية الذين يزعمون أن المكلف مجبور على الطاعة والمعصية، وأنهما فعل الله سبحانه [لا له⁣(⁣١)]، ثم نقضوا ذلك بقولهم: إنها كسب له، وزعموا أن بين الفعل والكسب فرقاً، وإنما ابتدعوه ليدلسوا به على المقلدين لهم.

  والذي يدل على بطلان ذلك: أنه لا فرق في العقل ولا في السمع بين إضافة كل واحد منهما إلى العبد، ولا بين القدرة عليهما، ولا بين الإرادة لهما، ولا بين حدثهما في وقت واحد من فاعل واحد، ولا بين استحقاق المدح والذم عليهما.

  ومما يدل من كتاب الله سبحانه على الفرق بين الإستطاعة والجبر قوله سبحانه: {وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ٤٢ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ٤٣}⁣[القلم]، فانظر كيف فرق سبحانه بين ما يدعون إليه من السجود في الدنيا وما يدعون إليه في الآخرة؛ لكونهم مستطيعين في الدنيا وممنوعين في الآخرة.

  ومما يدل من الكتاب أيضاً على أن الله سبحانه لم يخلق شيئاً من أفعال العباد، وعلى أنها ليست بفعل له - قوله سبحانه: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ١٢ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ١٣ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً ... إلى آخر الآية}⁣[المؤمنون]، فانظر كيف فرق سبحانه بين ذلك لما كان إلقاء النطفة في القرار المكين فعلاً للمُلْقي


(١) ما بين القوسين ساقط في (ب).