[الفصل الثاني: في ذكر الأصول التي يحتج بها من خالف الأئمة أو خالف بينهم، والدليل على بطلانها]
  وجعل عمر لها في ستة معينين يختار أحدهم، الذي هو قدوة لكل(١) من أنكر كون الإمامة من أصول الدين، وجعلها من مسائل الاجتهاد، وقدوة لمن جوز لخمسة أن ينصبوا سادساً يقوم مقام الإمام.
  والثالث: تصويبهم لمن خالف أمير المؤمنين # برأيه واجتهاده في كثير من المسائل، نحو مسألة ميراث الجد وما أشبهها، الذي هو قدوة لمن زعم أن كل مجتهد مصيب في اجتهاده، وأنه متعبد به وإن خالف إمام عصره أو إجماع العترة.
  والذي يدل على بطلان جميع هذه الأصول على الجملة: هو أنه لا يصلح لحفظ الملة وحياطة الأمة إلا من هو معلوم الصلاح والعدالة ظاهراً وباطناً، وعلم الباطن من أحوال الناس من الغيوب التي لا يعلمها إلا الله سبحانه، ولذلك قال تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}[الأنعام: ١٢٤]، ونحو ذلك من الآيات التي ذكر فيها الاصطفاء [والاجتباء(٢)] والاختيار.
  ثم أخبر سبحانه بمن اصطفاه فقال: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ... الآية}[الحديد: ٢٦]، وذريتهما معاً لا تكون إلا من ولد إبراهيم دون سائر ولد نوح. ومما أكد به ذلك قوله سبحانه في إبراهيم: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}[البقرة: ١٢٤]، فعهد له بذلك، ولم يستثن من ذريته إلا من ظلم؛ فلم تزل النبوة في ولده # إلى أن بعث الله محمداً ÷، وقال فيه: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ ... الآية}[آل عمران: ٦٨]، وأخبر سبحانه أنه ختم به الأنبياء، ثم ورد نص الكتاب والسنة بكون الأمر من بعده في وصيِّهِ خاصة، ثم في ذريته، ولذلك خصهم بالذكر في آية المباهلة، وفي خبر الكساء، وفي قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ... الآية}[المائدة: ٥٥]، وفي تأكيد النبي ÷ لهذه
(١) في (ب): لمن.
(٢) زيادة من نخ (أ).