[الفصل السادس: في ذكر الفرق بين الشيعي والمتشيع]
  والصنف الثالث: هم الذين جمعوا بين اسم التشيع ومعنى الرفض، وحرفوا نصوص الكتاب المحكم بالتأويلات الباطلة، وتعلقوا بكثير من الأخبار المشكلة، وفرقوا بين العترة، وخالفوا بين الأئمة $؛ فلذلك كانت عداوتهم للمسترشدين فوق كل عداوة، ومكيدتهم للمحقين أدق [كل(١)] مكيدة؛ وذلك لأنهم لما تحلوا باسم التشيع ودعوى العلم استمالوا بذلك قلوب المتعلمين والأغنياء الذين يحبون أن يتصدقوا على المتعلمين، فصاروا لأجل ذلك من جملة من حكى الله سبحانه ضلاله من علماء السوء بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[التوبة: ٣٤]، وهذا الصنف الثالث ينقسمون على الجملة إلى أربع فرق، لكل فرقة منهم مذاهب متعارضة، وأقوال متناقضة، وهم: الباطنية، والإمامية، والجامعون بين التشيع والاعتزال، والمطرفية.
  وذكر تفاصيل مذاهبهم وأقوالهم مما لا حاجة في هذا الموضع إلى ذكرها، وإنما الحاجة إلى ذكر جملة من حيلهم ومكائدهم:
  فمن حيل الباطنية والإمامية تعلقهم بإمامة ولد الحسين دون ولد الحسن، وبالغائب من ولد الحسين دون الحاضر، وادعاء كلهم لعلوم باطنة.
  ومن حِيَلِ الجامعين بين التشيع والاعتزال: تجويز كثير منهم لكون الإمامة من مسائل الاجتهاد، وإنكارهم لفضل العترة، ولكون إجماعهم حجة، وتفضيلهم لكثير من علوم رفضة الأئمة على علوم الأئمة، وتجويزهم لمخالفة كل عالم منهم لإمام عصره في مسائل الاجتهاد، وإنكارهم لما روي من شدة عداوة المشائخ لمن كان في عصرهم من آل رسول الله ÷، وتزهيدهم(٢) في علوم أئمة العترة، واعتذارهم لهم بأنهم اشتغلوا بالجهاد عن تدقيق النظر في العلوم الدينية، وما أشبه ذلك.
(١) زيادة من نخ (ب).
(٢) نخ (ب): وتزهدهم.