مجموع السيد حميدان،

حميدان يحيى القاسمي (المتوفى: 700 هـ)

[الفصل الأول: في عموم البلوى، وبيان وجه الحكمة فيها]

صفحة 162 - الجزء 1

  وأما بيان وجه الحكمة في الابتلاء فهو ما أخبر الله سبحانه به من التمييز بين المطيعين والعاصين بما⁣(⁣١) يظهر عند البلوى من أسرارهم؛ لأنه سبحانه لحكمته لا يعذب على ما يعلم من معاصي العباد قبل ظهورها، وظهورها لا يكون إلا بالامتحان كما قال سبحانه: {الم ١ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ٢ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ٣}⁣[العنكبوت]، وقال: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}⁣[آل عمران: ١٧٩].

  ومن أمثلة ذلك: ما حكى سبحانه من امتحانه للملائكة بإيجاب السجود من أجل آدم؛ فسجدوا إلا إبليس.

  وامتحانه لأصحاب طالوت بتحريم الشرب من النهر [فشربوا إلا قليلاً منهم⁣(⁣٢)]، وامتحانه لأصحاب القرية بتحريم صيد يوم السبت، وامتحانه لقوم موسى بمغيبه عنهم، واستخلافه لهارون فيهم، وأشباه ذلك مما يدل على أنه سبحانه يمتحن أهل كل عصر إلى يوم القيامة بما يميز بينهم، ويوجب له الحجة عليهم؛ ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة.

  ولذلك قرن سبحانه وجوب طاعته على المؤمنين بطاعة رسوله ÷، وطاعة أولي الأمر من القائمين مقام رسوله⁣(⁣٣) ÷، وأمر بالرد إليهم، وأمر نبيه أن يُعَرِّف الأمة بهم.


(١) نخ (ب): مما.

(٢) زيادة من نخ (ب).

(٣) نخ (ب): رسول الله.