[معارضة المعتزلة لما أوجب الله سبحانه من سؤال أهل الذكر من العترة]
  وبروايتهم(١) أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أذن لمعاذ حين بعثه إلى اليمن أن يجتهد رأيه إذا عدم الحكم في الكتاب والسنة، وأنه قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: «كل مجتهد مصيب».
  فأما احتجاجهم بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: «العلماء ورثة الأنبياء» فإنما أصلوا ذلك ليتوصلوا به إلى أن يجعلوا أنفسهم من ورثته ÷؛ خلافاً للعترة.
  ومما يمكن أن يجاب به عن ذلك أن يقال: إن قوله: «العلماء ورثة الأنبياء» لا يخلو: إما أن يريد به علماء كل فرقة مع اختلافهم، أو يريد به علماء الفرقة الناجية، ولا يجوز أن يريد [به(٢)] علماء كل فرقة لوجهين:
  أحدهما: أن في تجويز نجاة علماء كل فرقة رد ما أخبر الله تعالى به من ضلال كثير من الأحبار والرهبان.
  والثاني: ما في ذلك من تجويز أن يكون الله سبحانه أمر المختلفين بسؤال المختلفين، وكل ذلك باطل، وفي بطلانه دليل على أن النبي ÷ لم يرد بذلك إلا علماء الفرقة الناجية.
  وإذا ثبت بأدلة الكتاب والسنة أن العترة ومن شايعهم هم الفرقة الناجية لزم من أنكر ذلك بعد معرفته له بقلبه - وإن أنكره بلسانه - أن يكون كاتماً لما أنزل الله من البيان فيهم(٣)، وقد قال سبحانه [وتعالى(٤)]: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ١٥٩ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا ... الآية}[البقرة].
  وشاهد هذه الجملة: ما روي من ذم زيد بن علي # لعلماء الفرق في رسالته التي منها قوله: (عباد الله، إن الظالمين قد استحلوا دماءنا، وأخافونا في
(١) في (ب): وفي روايتهم.
(٢) زيادة من نخ (أ).
(٣) في (أ): لهم.
(٤) زيادة من نخ (ب).