[الفصل الثامن: في ذكر جملة مما يعتذر به من جمع بين التشيع والاعتزال]
  لأن الله سبحانه قد وصف الكفار بالاعتزال في قوله: {وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ ٢١}[الدخان]، ونحو ذلك مما يدل على أنه لا مدح في لقب الاعتزال لمن اعتزل الحق وأهله، واكتفى في الدين بنفسه، واعتمد فيه على رأيه.
  وأما معارضتهم لآيات الإحباط بآيات الموازنة؛ ليتوصلوا بذلك إلى تحسين الظن بالمعتزلة وأئمتهم، وإلى أن يوهموا(١) أن خلافهم في الإمامة هين في جنب أفعالهم المستحسنة، وعلومهم الباهرة - فلأنهم لو اعتقدوا كون الإمامة والولاء فيها والبراء من الفروض المعينة التي(٢) يقبح(٣) الإخلال بها، وقالوا مع ذلك بالإحباط - لم يمكنهم تجويز السلامة لأحد ممن يخالف في ذلك، سواء كان من الصحابة أو من المعتزلة أو من غيرهم.
  والذي يبطل هذه المعارضة: هو(٤) كونها معارضة للمحكم بالمتشابه، وللحقيقة بالمجاز، وبيان ذلك: أن آيات الإحباط لا يعقل معناها إلا إذا حملت على ظاهرها، وذلك هو الذي يدل على صحة كونها محكمة وحقيقة.
  وليس كذلك آيات الموازنة؛ فإنه لا يعقل معناها إلا إذا تأولت على غير ما يفيده ظاهرها، أو حملت على أن المراد بها ضرب المثل.
  بدليل: أنها لو حملت على ظاهرها للزم من ذلك تجويز وزن الأعراض، وكونُ ذلك محالاً معلومٌ ضرورة، أو لزم تجويز كون أفعال العباد أجساماً، وكونه محالاً معلوم أيضاً ضرورة، وذلك هو الذي يدل على كون ما كان كذلك متشابهاً ومجازاً.
  وإن قيل: إن الوزن يقع على ما هي مكتوبة فيه كان عدولاً عن الظاهر؛ لكون ما هي مكتوبة فيه ليس بطاعة ولا معصية؛ ولأن الصحيح من المذهب أن
(١) في (أ): توهموا.
(٢) في (أ): الذي.
(٣) في (ب): لا يصح.
(٤) نخ (ب): هي.