[الاختلاف في العلوم فيما طريق معرفته النظر والاستدلال]
  ومما يؤيد ذلك: قول القاسم بن إبراهيم # في كتاب الرد على ابن المقفع(١) بعد ذكره لما اشتبه على أهل القول بالظلمة والنور؛ لأجل اغترارهم بعلماء العامة، وتركهم لطلب العلم من أهله: (فلما عموا عن حكمة الله في ذلك ورسله، وما حكم به سبحانه من أحكام عدله).
  إلى قوله: (ولم يلقوا فيما اشتبه عليهم منه من جعلهم الله معدنه فيكشفوا لهم الأغطية عن(٢) محكم نوره، ويظهروا لهم الأخفية من مشتبه أموره، الذين جعلهم الله الأمناء عليها، ومنَّ عليهم بأن جعلهم الأئمة فيها، ولم يجدوا عند علماء هذه العامة فيما اشتبه عليهم منه شفاء، ولم يرجوا منهم في مسألة لو كانت لهم عنه اكتفاء، ازدادوا بذلك إلى حيرتهم فيه حيرة، ولم تفدهم أقوال العلماء فيه بصيرة).
[الاختلاف في العلوم فيما طريق معرفته النظر والاستدلال]
  والفرق الثالث: باختلاف علومهم فيما طريق معرفته النظر والاستدلال، وذلك لأن الأئمة $ مخصوصون(٣) من زكاء العقل، وذكاء الفطنة، وخصائص التوفيق، ومواد التأييد، بحسب ما خصوا به من التكليف بالقيام مقام النبي ÷ في هداية العباد إلى طريق الرشاد، وحفظ علوم الدين عن تلبيسات(٤) الملحدين، وتحريفات المعاندين، بخلاف مخالفيهم من علماء العامة، فإنهم لأجل مخالفتهم لأئمتهم، وسلوكهم لغير طريقهم - من جملة الظالمين المتحيرين(٥)، السالكين لغير سبيل المؤمنين، الذين جمعوا بين اسم العقل ومعنى الجهل، وخاضوا بالوهم فيما وراء حد العقل.
(١) ابن المقفع: اسمه روزية، كنيته أبو عمرو، زنديق مرتد، ضربه الحجاج حتى تفقئ جسده، تسمى بعبدالله، وكان مقرباً إلى الحجاج.
(٢) نخ (ب): من.
(٣) نخ (ب): مخصوصين.
(٤) في (ب): تلبيس.
(٥) في (ب): المتجبرين.