[الفصل الرابع: ذكر ما ليس لله فيه تأثير، وما ليس هو له في الأزل بمعلوم]
  ومذهب بعض المعتزلة: أن معنى كونه سبحانه مؤثراً في العالم هو أنه أوجد ذواته المعدومة الثابتة فيما لم يزل، وأخرجها من حالة العدم إلى حالة الوجود الذي هو مؤثر فيه، وليس هو له بمعلوم فيما لم يزل؛ لكونه بزعمهم صفة، والصفة عندهم ليست بشيء يتعلق به علمه سبحانه فيما لم يزل، وأن استمرار بقاء العالم قالوا [حاصل(١)] لأمر أوجبه وأثر فيه، وهو داعي حكمة الباري سبحانه.
  والذي يدل على صحة مذهب العترة في ذلك وبطلان مذهب المعتزلة: هو أن قولهم: «إن الله سبحانه مؤثر في الصفة التي هي عندهم لا شيء ولا لا شيء» قول مجهول غير معقول؛ لأن الصفةَ التي قالوا: هي لا شيء ولا لا شيء غيرُ معقولة ولا معلومة بإجماعهم، وكل ما لا يعقل فالتأثير فيه لا يعقل، ولأن قولهم بذلك مذهب حادث، وكل حادث في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة، ولأن الله سبحانه أمر أن يدعى بأسمائه الحسنى، ونهى عن اتباع من يلحد فيها.
  ويدل عليه: أنه قد ثبت بإجماعهم كون الباري سبحانه صانعاً للعالم، فلا يخلو: إما أن يكون صنعه هو ذوات العالم، أو صفاته، أو هو الذات والصفات معاً.
  فإن قالوا: إن صنعه هو الذات بطل قولهم بثبوتها فيما لم يزل، وإن قالوا: إن صنعه هو الصفة التي هي الوجود وتوابعه بطل إقرارهم بأن الباري سبحانه صانع للعالم؛ لأن ذوات العالم هي العالم بإجماعهم؛ فإذا لم يكن صانعاً للذوات بمعنى أنه جعلها ذواتاً فليس بصانع للعالم.
  وإن قالوا: إنه صانع للذوات والصفات خرجوا من مذهبهم.
  ويدل عليه: إجماعهم مع العترة على أن الذي يدل على كون الباري سبحانه عالماً هو وجود فعله محكماً، والعلم بالإحكام فرع على العلم بالإيجاد، فلو لم يكن
(١) زيادة من نخ (أ).