[الفصل الرابع: ذكر ما ليس لله فيه تأثير، وما ليس هو له في الأزل بمعلوم]
  سبحانه عالماً فيما لم يزل بالإيجاد والإحكام لبطل كون الإحكام دليلاً على كونه سبحانه عالماً، وللزم مع ذلك أن يقف صحة كونه عالماً بالإحكام على وجود الإحكام، ويقف وجود الإحكام على صحة كونه عالماً به، وذلك باطل.
  ويدل عليه: أن القول بثبوت ذوات مقدورات الباري فيما لم يزل، وأنه لا تأثير له في كونها ذواتاً - يؤدي إلى القول بتعجيزه عن خلق العالم، والقول بأنه سبحانه لا يعلم الإيجاد فيما لم يزل يؤدي إلى القول بأنه سبحانه جاهل بتأثيره قبل أن يؤثر فيه، وكل قول يؤدي إلى تعجيزه سبحانه وتجهيله فهو ظاهر البطلان.
  ويدل عليه: أن القول بأن الله سبحانه لم يعلم فيما لم يزل إلا ذات الموجود دون الوجود يؤدي إلى تكذيب إخبار الله سبحانه قبل أن يوجد آدم # بأنه يوجده؛ لأنه سبحانه أخبر عما سيكون ولم يخبر عن الذوات الثابتة في ما لم يزل، وكل قول يؤدي إلى تكذيب الباري سبحانه فهو باطل.
  ويدل عليه أن قولهم بأن الذوات المعدومة الثابتة بزعمهم فيما لم يزل تخرج إذا وجدت من حالة العدم إلى حالة الوجود يوجب كون العدم صفة كالوجود، وذلك باطل بإجماعهم.
  ويدل عليه: إجماعهم مع العترة على إنكار قول من زعم أن أعيان العالم قديمة، ولا فرق بين ذلك وبين قولهم: إن ذوات العالم ثابتة فيما لم يزل، بدليل: أنه ما من دليل يصح أن يستدل به على أن أعيان العالم قديمة إلا ويصح أن يستدل به على أن ذوات العالم ثابتة فيما لم يزل، وأنه ما من دليل يصح أن يستدل به على بطلان قدم أعيان العالم إلا ويصح أن يستدل به على بطلان ثبوت ذوات العالم فيما لم يزل.
  ويدل على بطلان قولهم: «إن المؤثر في استمرار بقاء العالم هو داعي حكمة الباري سبحانه» هو كون ذلك موجباً لتوهم ثبوت حكيم وحكمة وداعي حكمة، وذلك تقسيم وتعديد وتحديد لا يجوز وصف الله سبحانه به، ولا إضافته إليه.