[الفصل الخامس: الكلام في الجوهر]
  العرض، وأنه ليس له إلا جهة واحدة يحاذيها ما لاقاه من الجواهر، وأن الجواهر إذا ائتلفت طولاً فهي خط، وإذا ائتلفت طولاً وعرضاً فهو سطح، وإذا ائتلفت طولاً وعرضاً وعمقاً فهو جسم.
  والذي يدل على صحة ما ذهبت إليه العترة وبطلان أقوال المعتزلة: هو كون أقوال المعتزلة في ذلك مبتدعة(١) في الدين، وخارجة عن حد العقل، ومتناقضة.
  أما كونها مبتدعة في الدين فلأنه لم يَرِدْ بها تعبد، ولا دل على صحتها من السمع دليل، وكل مبتدع في الدين ليس له أصل في الكتاب والسنة فهو من جملة ما حكاه الله سبحانه بقوله: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ}[النجم: ٢٣]، {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ١٤٨}[الأنعام].
  وأما(٢) كونها خارجة عن حد العقل فلأنه لا طريق لهم إلى معرفة الجوهر إلا التوهم لأقل ما يمكن أن ينقسم إليه الجسم، والتوهم خارج عن حد العقل؛ لأن عقول المكلفين من البشر تقصر عن معرفة أجسام الملائكة $ وكثير مما خلق الله سبحانه، فضلاً عن معرفة أصغر جسم أو أكبره.
  وأما كونها متناقضة فذلك ظاهر في قولهم: إن الجوهر أقل الجسم، وليس بجسم.
  وكذلك قولهم: العرض يحل الجوهر، وليس بجسم؛ لأن حد ما يعلم به كون الجسم جسماً حلول العرض فيه؛ ولذلك يجوز(٣) أن يقال: كل شيء حله العرض فهو جسم، ولأنه يستحيل في العقل والحس ثبوت طويل لا عرض ولا عمق له وإن قل.
(١) نخ (أ): مبدعة.
(٢) نخ (ب): فأما.
(٣) في (ب): ولذلك صح.