[الفصل الثاني: في ذكر مغالط المعتزلة في الفرق بين الأسماء المترادفة]
  مذهب الفلاسفة، وهو قولهم بقدم أعيان العالم ووجودها بالقوة فيما لم يزل.
  وطريق النجاة من هذه المغلطة في الوقوف على حد العقل، وعلى عرف أهل اللغة العربية في ذلك، وهو أنه يجوز أن يعبر بالأزل بدلاً عن القدم، وبالوجود بدلاً عن الثبوت، وبالعين بدلاً عن الذات، وأنه لا يجوز أن يقال: إن الله سبحانه قديم غير أزلي، ولا موجود غير ثابت، بل هو كما قال أمير المؤمنين #: (دليله آياته، ووجوده إثباته)، وكل اسمين جاز أن يعبر بأحدهما بدلاً عن الثاني فهما من الأسماء المترادفة على مسمى واحد، وفي ذلك دليل على أنه لا خلاف بين من قال بقدم أعيان العالم وبين من قال بثبوت ذواته فيما لم يزل إلا في اللفظ، دون المعنى الذي أجمعوا فيه على مخالفة الموحدين المحقين.
  ومنها: فرقهم بين الشيء والأمر في تسميتهم للصفات أموراً زائدة على الذات، ومنعهم من تسميتها أشياء غير الذات؛ لأنهم لو نفوا الصفات عن الباري سبحانه لدخلوا فيما عابوه من القنوع بالجمل، ولو جعلوا صفات الباري سبحانه أشياء غير ذاته لدخلوا فيما أظهروا إنكاره على المشبهة؛ فلذلك خالفوهم في العبارة، وأجمعوا معهم على المعنى، وهو إثبات كلهم للصفات الزائدة.
  ومما يدل على بطلان فرقهم بين الشيء والأمر: قول النبي ÷: «أيها الناس، إن الأشياء ثلاثة: أمر استبان رشده فاتبعوه، وأمر استبان غيه فاجتنبوه، وأمر اختلف عليكم فردوه إلى الله». فانظر كيف عبر ÷ بالأمور بدلاً عن الأشياء، وهو ÷ مرسل بلسان قومه ليبين لهم.
  ومنها: فرقهم بين المشاركة والمماثلة(١) في وصفهم لله سبحانه بأنه مشارك في الذاتية غير مماثل فيها، خلافاً لما يعلم(٢) في الشاهد من عدم الفرق بين أن يقال: زيد مشارك لعمرو في الذاتية، وبين أن يقال: هو مماثل له فيها.
(١) نخ (ب): بين المماثلة والمشاركة.
(٢) في (ب): لما علم.