مجموع السيد حميدان،

حميدان يحيى القاسمي (المتوفى: 700 هـ)

[الفصل الخامس: في ذكر مغالطة المعتزلة في تحديدهم لذات الباري سبحانه وأوصافه بالحدود المركبة من جنس وفصل]

صفحة 294 - الجزء 1

  فإن عقول المكلفين قاصرة عن الإحاطة بعلم كثير من المخلوقين، فضلاً عن الخالق سبحانه؛ بدليل قوله سبحانه: {وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ٨}⁣[النحل]، وقوله: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ٨٥}⁣[الإسراء]، ولأنه سبحانه نهى المكلفين عن أن يقولوا عليه ما لا يعلمون.

  وقال سبحانه موبخاً ومبكتاً للمتكلفين: {أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ ... [الآية⁣(⁣١)]}⁣[الرعد: ٣٣].

  وقال أمير المؤمنين # في خطبته المعروفة بالدرة اليتيمة: (فتبارك ربنا أن تحتاطه العقول، أو يشار إليه بالتصوير، متحيرة فيه الألباب، ضالة فيه الأحلام، تائهة فيه الأوهام، ألبس الجبابرة جلال عزته فذلت، وصب على الوجوه مخافته فعنت، ورمى الغلب من الرقاب بهيبته فخضعت، وألقى على الأشياء معرفة ربوبيته فخشعت، وانْبَتَّتْ⁣(⁣٢) مساقط رجم الظنون عن أدنى دنو دنوه، ودنى فنأ فلم تهجم لطائف الأفهام منه على تكييف، ولم تشرف دقائق الأفكار منه على تصنيف، ولم تجد صحيحات البحث مخاضاً في عميقات مذاهب الأفكار، بل تخلخلت بمكنون لطيف النظر في زواخر بحار الأوهام، ثم ارتفعت متصاعدات إلى الذرى فساخت الضمائر، وذهبت متعاليات في أهوية الخواطر، لتهجم على إدراك كيفية ذرة مما أنشأها في قلتها دون جليل ما ترى من خليقته فانحسرت صحيحات ذلك البحث تائهات في زواخر تلك البحار، وهبطت حائرات في تلك المهاوي إلى غير قرار استقرت عليه، ولا ذلك العلو إلى مدى انتهت إليه، فكيف بإدراك ذي العز الذي لا يرام.

  وقال الحسين بن القاسم # في كتاب الرد على الملحدين: فإن قال: فما هو؟ قيل له - ولا قوة إلا بالله -: مسألتك تحتمل ثلاثة أوجه:


(١) زيادة من نخ (أ).

(٢) نخ (ب): وانثنيت.