[الفصل السادس: في ذكر مغالط المعتزلة في القسم التي أوهموا أنها حاصرة]
  وإما أمراً زائداً على الذات لا شيء ولا لا شيء، أو نحو(١) ذلك من المحالات التي لا ينجي من التحير فيها إلا التمسك بمحكم الكتاب والسنة وأئمة الهدى، والاقتداء بقولهم(٢) في ذلك، وهو أن الله سبحانه سامع لا بسمع، ومبصر لا ببصر، وأن في كون ذلك كذلك ما يدل على أن قول المعتزلة: «لذاته أو لغيره»(٣) في جميع القسم مغلطة؛ لأنه لا أمر زائد على ذات الباري سبحانه فيحتاج إلى تعليله بذات أو غيرها.
  وبيان ذلك بالقسم الصحيحة أن يقال: لا يخلو: إما أن يكون سامعاً بسمع أو لا بسمع، وقد بطل بالدليل أن يكون سبحانه سامعاً بسمع، فلم يبق إلا أنه سامع لا بسمع كما أنه سبحانه عالم لا بعلم.
  وإنما التبس المحال بالصحيح على علماء العامة لأجل قطعهم على صحة أقوال شيوخهم في القسم والقياسات والحدود؛ فلذلك قاسوا ما لم يعقلوه منها في الصحة على ما عقلوه؛ اتهاماً لعقولهم، وتحسيناً للظن بأنظار شيوخهم. وأكثر من يَسْتَغْلِطُ بذلك قبل المعتزلة شيوخُهم من الفلاسفة المتعمقين، الذين حكاهم الإمام المنصور بالله # في الرسالة الناصحة للإخوان بقوله: وأما كلام الفلاسفة فهو جري على عاداتهم في التأصيل والتعليل، فبعض كلامهم بنوه على المعلوم كالمشاهدات في المباشرات وما جانسها، وبعضها بنوه على الوهم في العُلْوِيَّات وما جرى مجراها.
  ولما صححوا للأغمار فيما ادعوه في المباشرات الأرضية بالاعتبارات المنطقية، والبراهين المشاهدة الحسية الهندسية - ألقوا إليهم ما وراء ذلك فقبلوه منهم نقلاً لا عقلاً، بغير حجة توجب قبول ذلك.
(١) في (ب): أو غير.
(٢) نخ (ب): والاقتداء بهم في ذلك.
(٣) في (ب): لغيرها.