[الفصل الثامن: في ذكر استغلاط المعتزلة بالسؤال عن الفرق بين البياض والسواد]
[الفصل الثامن: في ذكر استغلاط المعتزلة بالسؤال عن الفرق بين البياض والسواد]
  وأما الفصل الثامن: وهو في ذكر استغلاطهم بالسؤال عن الفرق بين البياض والسواد - فإنما توصلوا بذلك إلى ضرب المثال بأمر لا يعقل في الشاهد كونه شيئاً ولا لاشيء، وموضع الغلاط من ذلك في إيهامهم للمسئول أن الفرق الذي يعلمه بين البياض والسواد لا يجوز أن يكون شيئاً؛ لأنه لو كان شيئاً لاحتاج إلى صفة يتميز بها حتى يتصل ذلك بما لا نهاية له، وهو محال، ولا يجوز أن يكون لا شيء؛ لأن لا شيء لا يصح به الفرق؛ لكونه عدماً؛ فإذا التزم ذلك ألزموه أنه قد أجمع معهم على إثبات أمر ليس بشيء ولا لا شيء، وأنه يلزمه القول بالمزايا وإن لم يعقلها.
  ومما يكشف عن سرهم في هذه المغلطة، ويبين بطلانها من (الأدلة المعقولة(١)) - أمور:
  منها: سبق العلم الضروري بأنه لا يجوز إثبات أمر متوسط بين النفي والإثبات، وأنه لا يجوز أن يؤدي النظر والاستدلال إلى إثبات ما يعلم انتفاؤه ضرورة.
  ومنها: أن الفرق بين البياض والسواد لا يخلو: إما أن يكون معلوماً أو غير معلوم، فإن كان معلوماً فكلُّ معلومٍ شيءٌ بإجماعهم.
  وإن كان غير معلوم فتكلف العلم به محظور، وضرب المثل به تلبيس، والخوض في الكلام فيه عبث، والإيهام لكونه علماً مغلطة، وتسميته توحيداً غرور.
  ومنها: أن الفرق بين البياض والسواد لا يخلو: إما أن يكون بأمر واحد مشترك بينهما فذلك محال؛ لكونهما متضادين، وإما أن يكون بأمرين زائدين فيكون الكلام فيهما كالكلام فيما قبلهما إلى ما لا نهاية له، وهو محال.
  ومنها: كون البياض والسواد صفتين لمحليهما، والصفات لا توصف، ولا يعلم الفرق بينهما إلا باختلاف محالِّهِما.
(١) نخ (ب): أدلة العقول.