مجموع السيد حميدان،

حميدان يحيى القاسمي (المتوفى: 700 هـ)

[الفصل التاسع: في ذكر مغالط المعتزلة في قولهم بتعلق القدرة والعلم]

صفحة 303 - الجزء 1

  يزل - لأجل كون الله سبحانه قادراً وعالماً فيما لم يزل - وبين توهم من توهم من الفلاسفة أن حكمة الباري التي هي جميع صنعه موجودة فيما لم يزل؛ لأجل كونه سبحانه حكيماً فيما لم يزل. وكذلك فإنه لا فرق بين ذلك وبين أن يتوهم متوهم أن جميع المسموعات والمبصرات ثابتة فيما لم يزل؛ لأجل كون الباري سبحانه سميعاً بصيراً فيما لم يزل.

  وبيان ذلك: أنه ما من دليل يصح أن يستدل به على ثبوت ذوات المقدورات والمعلومات فيما لم يزل - لأجل كون الباري سبحانه قادراً وعالماً فيما لم يزل - إلا ويصح أن يدل ذلك الدليل على ثبوت المحكمات والمسموعات والمبصرات فيما لم يزل؛ لأجل كون الباري سبحانه حكيماً وسميعاً وبصيراً فيما لم يزل، وأنه ما من دليل يصح أن يستدل به على بطلان ثبوت المحكمات والمسموعات والمبصرات فيما لم يزل إلا ويصح أن يدل ذلك الدليل على بطلان ثبوت ذوات المقدورات والمعلومات فيما لم يزل.

  ومن أبين ما يدل على بطلان جميع ذلك: استحالة وصف العالم بأنه محدث وثابت فيما لم يزل، فكون ذلك محالاً مما يعلم ضرورة.

  وأما ذكر المحالات التي تفرع عنها القول بالتعلق فأولها: تفكرهم في ذات الباري سبحانه، حتى أداهم ذلك إلى أن يثبتوا له ذاتاً يصح العلم بها على انفرادها كسائر ذوات العالم، وإلى أن يشاركوا بينه وبين سائر الذوات في الذاتية، وإلى أن يثبتوا له صفة أخص يفارق بها سائر الذوات، وإلى أن يجعلوا تلك الصفة الأخص مقتضية لكونه قادراً وعالماً وحياً وموجوداً، وإلى أن يجعلوا لكونه قادراً وعالماً تعلقاً فيما لم يزل بذوات المقدورات والمعلومات. فانظر كيف أداهم تفكرُهم فيما لا كيفية له ولا مثل، ومخالفتُهم في ذلك لما أمرهم به رسول الله ÷، والاستغناءُ بعقولهم عمن أمرهم الله سبحانه بسؤاله والرد إليه - إلى ابتداع ما لا يعقل.

  وأما المحالات التي تفرعت عن القول بالتعلق فمنها: قصرهم لعلم الله