الرسالة الناظمة لمعاني الأدلة العاصمة
  يريبها، ويؤذيني ما يؤذيها»، وقال ÷: «إن الله يغضب لغضبك يا فاطمة، ويرضا لرضاك».
  ولا خلاف بين آبائنا أنها ماتت وهي غضبانة عليهم، وكلامها يشهد بذلك، وهو الذي ذكرته في جوابها لنساء المهاجرين والأنصار حين قلن: كيف أصبحت يا بنت رسول الله؟ في مرض موتها؛ فقالت: أصبحتُ - والله - عائفة لدنياكم، قالية لرجالكم، شنيتهم بعد أن سبرتهم، ولفظتهم بعد أن عجمتهم، فقبحاً لفلول الحد، وخور القناة، وخطل الرأي، وبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون، ويحهم، لقد زحزحوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة، ومهبط الروح الأمين، والطيبين لأهل الدنيا والدين، ألا ذلك هو الخسران المبين، وما نقموا من أبي حسن؟ نقموا - والله - نكير سيفه، ونكال وقعته، وشدة وطأته، وتنمره في ذات الله، والله لو تكافوا على زمام نبذه إليه رسول الله ÷ لاعتلقه، ولسار بهم سيراً سجحاً(١)، لا تنكلم خشاشه، ولا يتعتع راكبه، ولأوردهم مورداً نميراً تمير ضفتاه، ولأصدر [هم](٢) بطاناً قد تحبرهم الري، غير متحل منه بطائل إلا بغمرة الناهز وردعه سورة الساغب، ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض، ولكن كذبوا، وسيعذبهم الله بما كانوا يكسبون، ألا هلمن فاسمعن، وما عشتن أراكن الدهر عجباً، إلى أي ركن لجأوا؟ وبأي عروة تمسكوا؟ ولبئس المولى ولبئس العشير، وبئس للظالمين بدلاً، استبدلوا - والله - الذنابا بالقوادم، والعجز بالكاهل، وبعداً وسحقاً لقوم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون.
(١) اعتلقه، أي: أحبه، ولعله هنا بمعنى تعلق، والسجح بضمتين: اللين السهل، والخشاش بكسر الخاء المعجمة: ما يجعل في أنف البعير من خشب، وتعتعت الرجل، أي: أقلقته وأزعجته. وماء غير: ناجع عذب كان أو غيره. وتحير: امتلأ.
(٢) زيادة من الشافي.