[الدليل على بطلان أقوال الفلاسفة وما تفرع منها]
  ومنها: كونها بدعاً مخترصة، وهم لا ينكرون ذلك؛ لأنهم يفتخرون بأن علماءهم وقدماءهم أول من استنبط معانيها بدقة نظره، وسمى ما سمى منها ووصفها بأنها علوم الإلهية، فجرت في ذلك مجرى ما ذمه الله سبحانه بقوله: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ}[النجم: ٢٣].
  ومنها: كونها خارجة عن حد العقل لوجهين: أحدهما: تفكرهم في كيفية مبدأ الخلق وما أشبه ذلك من الغيوب التي لا يعلمها إلا الله سبحانه، ولذا(١) قال سبحانه: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ}[الكهف: ٥١].
  والثاني: إنكارهم لما يعقل، وإثباتهم لما لا يعقل، أما إنكارهم لما يعقل فنحو كون أنواع المتولدات من الحيوان والنبات، وما فيها من حسن التدبير والتسخير والتركيب العجيب ليس دالاً على أن لها صانعاً مختاراً.
  وأما إثباتهم لما لا يعقل فنحو إضافتهم لذلك إلى علل ميتة مخلوقة، ونحو تجويزهم لكمون الضد في ضده، ووجوده قبل وجوده، وقدمه قبل حدوثه(٢)، وما أشبه ذلك من المحالات الخارجة عن حد العقل.
  ومنها: كون أكثر عباراتهم متناقضة في اللفظ والمعنى، نحو وصفهم للعلة الأزلية بأنها واحدة لا كثرة فيها، ونقضهم لذلك بقولهم: إن صور جميع الأشياء كامنة فيها، وكل مكمون فيه فالكامن بعضه أو في بعضه، وكل ما له بعض فليس بواحد على الحقيقة ولا بأزلي.
  ووصفهم للعقل الكلي بأنه أزلي لأجل أزلية علته، وأنه لا يجوز أن يتوسط العدم بين العلة ومعلولها، ونقضهم لذلك بوصفهم له بالانفعال منها، والمنفعل لا يعقل كونه منفعلاً إلا إذا كان بعد أن لم يكن؛ لعدم الفرق بين الفعل والانفعال في كون كل واحد منهما محدثاً.
(١) نخ (ب): ولذلك.
(٢) نخ (أ): حدثه.