[الدليل على بطلان أقوال الفلاسفة وما تفرع منها]
  ووصفهم للعشرة العقول بالتقدم والتأخر، ونقضهم لذلك بقولهم: إنها موجودة قبل الزمان والمكان؛ إذ لا يعقل الفرق بين المتقدم والمتأخر من الأشياء المنفعلة إلا بالوقت والمكان؛ إذ لولا ذلك لما علم الفرق بين كون الثاني ثانياً والثالث ثالثاً، ولا بين رتبتيهما ولا انفعالهما. وكل هذه الأدلة مما لا يمكن كل عاقل إنكارها إلا بالمكابرة الدالة على العجز، ولذلك جمع كثير من الغلاة بين اسم الإسلام ومعنى الفلسفة؛ ليتوصلوا بذلك إلى إبطال محكم التنزيل بما ادعوا من علم التأويل، الذي زعموا أنه علم مكنون مكتوم، فمنهم من لا يعلمه إلا من أخذ عليه العهد والميثاق، ومنهم من لا يُعَلِمُهُ إلا من قد قبل منه ما يلقى إليه من المقدمات، التي إذا نظر فيها المتعلم أداه النظر فيها إلى ذلك العلم المكتوم، وما أشبه ذلك من الحيل والمكائد التي لا تجوز إلا على من بهر عقله زخرف أقوالهم، وقصر به الشك عن بلوغ درجة اليقين.
  والقول الثالث: قول بعض من جمع بين الفلسفة والإسلام: إن العقل هو أول مخلوق خلقه الله سبحانه قبل الزمان والمكان، واحتجوا على ذلك بخبر رووه، وهو أن الله سبحانه لما خلق ذلك العقل قال له: أقبل، فأقبل، ثم قال له: أدبر، فأدبر ... إلى آخر الخبر.
  وهذا الخبر هو من أقرب وأوضح ما يدل على بطلان قولهم؛ وذلك لأنه(١) لا يخلو: إما أن يكون محمولاً على ظاهره أو متأولاً.
  فإن كان محمولاً على ظاهره وجب القطع على كونه مكذوباً على النبي ÷ لأجل تناقضه وتضمنه لمعنى التشبيه، وللجهل بالفرق بين صفة العقل وصفة العاقل.
(١) في (أ): أنه.