[الدليل على بطلان أقوال الفلاسفة وما تفرع منها]
  فأما تناقضه فلأن الإدبار بعد الإقبال والإقبال بعد الإدبار لا يعقل إلا إذا كان بينهما وقت يعرف به التمييز بينهما، وكذلك الإقبال إلى المقبَل إليه والإدبار عنه لا يعقل إلا إذا كان بينهما مسافة، وكان كل واحد منهما في مكان غير مكان الثاني.
  فإن قالوا: هو معقول بطل قولهم بنفي الزمان والمكان، وإن قالوا: هو(١) غير معقول فإثباتهم له عبث.
  وأما كونه متضمناً لمعنى التشبيه فلأن المفهوم من فحوى(٢) الأمر بالإقبال والإدبار هو كون الآمر والمأمور متقابلين، وتقابلهما لا يعقل إلا إذا كان كل واحد منهما في جهةٍ مقابلة لجهة الثاني حتى يقع بصره على ما أقبل به إليه دون ما أدبر به عنه، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
  وأما تضمنه للجهل بالفرق بين صفة العقل وصفة العاقل فلأن العقل صفة والعاقل موصوف، والصفة حالة، والموصوف محلول فيه، والحال غير المحلول، ولأن المأمور المنهي المميز بين ما أُمر به ونُهي عنه لا يكون إلا عاقلاً بعقل هو غيره، وهذا هو المعقول المعلوم بالمشاهدة، ولأن العقل لو كان يجوز(٣) أن يوصف بصفة العاقل لاحتاج كل عقل إلى عقل إلى ما لانهاية له، وذلك محال بالإجماع.
  وإن كان ذلك الخبر متأولاً على غير ما يفيده بظاهره لم يكن لهم فيه حجة، وكل دعوى بلا حجة فهي باطلة بالإجماع.
  والقول الرابع: هو(٤) قول المعتزلة: إنّ العقل مجموع عشرة علوم ضرورية. وذلك تكلف منهم، وتوهم لما لا طريق لهم إلى معرفة ماهيته وكيفيته، لأجل كون
(١) في (أ): وإن كان غير معقول.
(٢) نخ (ب): معنى.
(٣) في (ب): لو جاز.
(٤) نخ (ب): وهو.