[ذكر جملة مما يعرف به الفرق بين العقل والنفس]
  فإن جوزوا كُمُون ما عدم لزمهم أعظم من ذلك، وهو تجويز أن يكون الموصوف الواحد موصوفين اثنين أحدهما كامن في الثاني.
[ذكر جملة مما يعرف به الفرق بين العقل والنفس]
  وأما القسم الثاني من الكلام في العقل، وهو في ذكر جملة مما يعرف به الفرق بين العقل والنفس فهو يعرف باختلافهما في ستة أمور مما يجوز أن يختلفا فيه، بعد الاشتراك في كون كل واحد منهما عرضاً حالاً في القلب.
  فالأول: اختلافهما في لفظ التسمية ومعناها، وذلك لأن تسمية العقل عقلاً(١) خاص له، وقيل: إنه مشتق من عقل نوادِّ الإبل بالعقال؛ لأنه يعقل من نظر به عن الجهل، وقيل: لأنه يعقل الحكمة في القلب، أي: يمنعها من الذهاب. وله مع ذلك أسماء مترادفة، نحو: اللب والحِجْر والحجا.
  واسم النفس مشترك: فمنه ما يراد به الإنسان في مثل قول الله سبحانه: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا}[النحل: ١١١]، ومنه ما يراد به الروح [في(٢)] مثل قوله سبحانه: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا}[الزمر: ٤٢]، ومنه ما يراد به الدم، نحو ما في الشرع من ذكر ما لا نفس له سائلة، ومنه ما يذكر مجازاً وهو متأول، نحو قول الله سبحانه: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي} - أي: ما أخفي - {وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}[المائدة: ١١٦]، أي: ما حجبت علمه عني، ومنه ما يراد به النفس المقارنة للعقل، وهي هذه التي الغرض ذكر الفرق بينها وبينه.
  الثاني: اختلافهما في وقت الوجود، وذلك لأن الله سبحانه جعل وجود النفس ملازماً لأول وقت وجود الحياة؛ لأجل كون الحي من البشر مشتهياً ونافراً، والشهوة والنفرة من طباع النفوس(٣) التي فطرها الله سبحانه عليها، لما علم في البلوى بذلك من المصلحة والحكمة البالغة.
(١) نخ (ب): عقل.
(٢) زيادة من نخ (أ).
(٣) في (ب): النفس.