مجموع السيد حميدان،

حميدان يحيى القاسمي (المتوفى: 700 هـ)

[الفصل الثالث: الكلام في العلم]

صفحة 78 - الجزء 1

  والخامس: اختلاف مادتهما، وذلك لأن العقل يستمد من توفيق الله سبحانه وتسديده، ولذلك قال سبحانه: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى}⁣[محمد: ١٧]، ويستمد من محكم الكتاب والسنة ومن علوم أئمة الهدى.

  والنفس تستمد من وساوس الشيطان، ومن الشبه والمتشابه، ومن علوم علماء السوء، ولذلك قال الله سبحانه: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}⁣[الأنعام: ١١٢].

  والسادس: اختلاف أحوال اتباعهما، وذلك لأن المتبع لعقله يقف عند حد قدره؛ لئلا يجهل فضل من فضلَّه الله عليه، ويقف عند حد⁣(⁣١) عقله؛ لئلا يغلو في دينه غير الحق.

  والمتبع لهوى نفسه يخوض فيما وراء حد عقله، ويتكبر على من هو أفضل منه، ويحسده، ولذلك قال الله سبحانه: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ٨٧}⁣[البقرة]، وقال: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ٥٠}⁣[القصص].

  واعلم أن هذه الفروق وما أشبهها هي التي يعلم بها ضلال كل معطل ورافض، وكذب كل مدعٍ أن عقله دله على صحة مخالفته للحق وأهله، ويعلم به الفرق بين ما يعلم ولا يتوهم نحو الباري سبحانه، وما يتوهم ولا يعلم نحو ما تقدم ذكره من بدع الفلاسفة وغيرهم، ويعلم به الفرق بين العالم والمتوهم.

[الفصل الثالث: الكلام في العلم]

  وأما الفصل الثالث وهو الكلام في العلم، فهو يتفرع إلى ذكر ضروب مما يتعلق به الغرض، وهو التنبيه على كثير من أصول مغالط المختلفين فيه، وجملة ذلك هو: الكلام في معناه، وفي تنوعه، وفي طرقه، وفي ذكر جملة من الأسماء،


(١) نخ (أ): حظ.