[الفصل الثالث: في البلوى بمقارنة هوى النفس للعقول]
[الفصل الثالث: في البلوى بمقارنة هوى النفس للعقول]
  وأما الفصل الثالث وهو في البلوى بمقارنة هوى النفس للعقول:
  فوجه الحكمة في ذلك ما تقدم ذكره من التمييز؛ لأن الله سبحانه لو أخلى العقول المركبة(١) في البشر عن هوى النفوس لم يظهر الفرق بين من يُحَكِّمُ(٢) عقله على هوى نفسه وبين من(٣) يؤثر هوى نفسه على عقله، ولا الفرق بين الملائكة $ وغيرهم.
  ولو أخلى هوى نفوس المكلفين من البشر عن العقول لأشبهوا البهائم، ولأجل عظم البلوى بهوى النفس ضرب لها المثل بالعدو الذي إن غفلت عنه لم يغفل عنك، ولذلك(٤) وصفها الله سبحانه بأنها أمارة بالسوء، ومسولة للقبيح.
  وضرب المثل للعقل بالحكيم الذي إن طلبته وجدته، وإن غفلت عنه لم يطلبك، ولذلك قال الله سبحانه: {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا}[الأعراف: ١٧٩]، وقال: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ٢٤}[محمد].
  واتباع هوى النفس هو سبب كل معصية لله ولرسوله، وسبب الاعتراض بالشبه على الأدلة، وبالمتشابه على المحكم، وبأئمة الضلال وعلماء السوء على أئمة الهدى، وهو سبب استحقاق كل عقوبة كانت في الدنيا، وما سيكون في الآخرة.
  ولأجل عظم البلوى بهوى النفوس سمى النبي ÷ جهادها الجهاد الأكبر، ومما ينبه على ذلك من كتاب الله سبحانه قولُه: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ٨٧}[البقرة]، وقوله: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ٢٣}[النجم]، وقوله: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ٤٠ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ٤١}[النازعات].
(١) نخ (أ): المزكية.
(٢) في (ب): حكم.
(٣) في (ب): مؤثر.
(٤) نخ (ب): وكذلك.