مجموع السيد حميدان،

حميدان يحيى القاسمي (المتوفى: 700 هـ)

[الكلام في الفرق بين حد العقل والغلو]

صفحة 90 - الجزء 1

  ومما يدل على ذلك على سبيل الاختصار: تناقض قولين من أقوالهم في الجوهر، أحدهما: قولهم: إن الجوهر ليس له إلا حد واحد، ونقيض ذلك قولهم: إنه يشغل الجهة، وشغل الجهة لا يعقل إلا إذا كانت الجهة محيطة بجوانب ما شغلها، وكل ما أحاطت الجهة بجوانبه وجب أن يكون له ستة حدود، وهي: الأمام والخلف واليمين والشمال والفوق والتحت.

  والقول الثاني: هو ما زعموا من أن الجواهر تأتلف طولاً⁣(⁣١)، وذلك مما ينقض قولهم: إنه ليس للجوهر إلا حد واحد؛ إذ لا يصح ولا يعقل ائتلاف ثلاثة جواهر طولاً إلا إذا كان أحدها متوسطاً بين اثنين، وتوسطه لا يصح ولا يعقل إلا إذا كان محاداً لهما بحدين، كل ذلك معلوم بيقين لكل من تأمله بعقل صحيح.

  ومثال ما لا يصح في اللفظ ولا في المعنى: هو تحقيقهم أيضاً للذات بأنه ما يصح العلم به على انفراده؛ وذلك لأنه يستحيل عندهم خلو الذات وانفرادها عن صفتها الأخص التي زعموا أنها لا شيء ولا لا شيء، والاستحالة نقيض الصحة؛ لأنه لا يجتمع ولا يجوز القول بأنه يصح انفراد الذات عما يستحيل انفرادها عنه؛ فتأمل ذلك وما أشبهه من حقائقهم التي ليست شيئاً سوى لفظ الدعوى، صحيحةً كانت أو باطلةً. وكل ما كان كذلك فهو موضع وأصل للتغرير والتلبيس، وتسميته علماً ودليلاً تدليس وتمويه على من يوهمونه أنهم بلغوا في تدقيق النظر وفي معرفة علم التوحيد إلى حيث لم تبلغ أئمة العترة $.

[الكلام في الفرق بين حد العقل والغلو]

  وأما الكلام في الفرق بين حد العقل والغلو: فاعلم أن العقل من جملة الفضائل التي جعل الله سبحانه لكل واحدة منها منزلة محمودة متوسطة بين طريقين مذمومين، نحو السخاء المحمود المتوسط بين التقتير والتبذير، والعدل المتوسط بين الإهمال والجور.


(١) في (ب): وعرضاً.