[الكلام في الفرق بين المحكم والمتشابه]
  وكذلك العقل فإنه متوسط بين التفريط والإفراط، ومَثَلُه في هدايته للعلم المتوسط بين الجهل والغلو كمَثَل من يسير بمن اتبعه في طريق معلوم لغرض مفهوم إلى حد مقصود.
  والغلو: هو المروق والتعدي لحد العقل إلى الطريق المذموم، وهو الإفراط، ومَثَلُه في الإضلال(١) كمَثَل من يسير بمن اتبعه في غير طريق لا لغرض ولا إلى حد. وهو ثلاثة أضرب:
  فالأول: غلو الإنسان في تعديه لحد نفسه وقدره، نحو من يدعي من المخلوقين الربوبية، ومن يدعي من الرعية النبوة أوالإمامة، ومن يدعي من الروافض أنه أعلم بعلوم الدين من الأئمة.
  والثاني: غلوه في غيره، نحو غلو الصوفية والباطنية في مدحهم لكبرائهم، ووصفهم لهم بصفات الإله تعالى.
  والثالث: غلوه في نظره، نحو ادعاء الفلاسفة بعلم المبدأ والمعاد، وكيفية ترتيب العالم، وكم مساحته، وعدد أجناسه وأنواعه.
  ونحو ادعاء السوفسطائية أن نظرهم أداهم إلى تبطيل حقائق الأشياء المشاهدة.
  وادعاء الأشعرية للعلم بقدم(٢) الإرادة، وقدم القرآن.
  وادعاء المعتزلة للعلم بثبوت ذوات العالم فيما لم يزل، ولإثبات أمور ليست بشيء ولا لا شيء.
[الكلام في الفرق بين المحكم والمتشابه]
  وأما الكلام في الفرق بين المحكم والمتشابه: فاعلم أن المحكم من كتاب الله سبحانه من جملة ما فضله الله على غيره، وجعله إماماً يقتدى به، نحو
(١) في (ب): الإفراط.
(٢) نخ (أ): بأزلية.