الكلام في بيان ماله كان معجزا
  وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ٣ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ٤}[النجم]، وقوله ø: {فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ ٢٨ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ ٢٩ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ ٣٠ وَمَاء مَّسْكُوبٍ ٣١}[الواقعة]. عرف ما ادعيناه، من أن فصاحة القرءان وقعت على وجه انتقضت به العادة؟!
  قيل له: نحن لا ننكر أن ألفاظ هذه الآيات جزلة واقعة في أعلى طبقات الفصاحة من جهة الجزالة، إلا أن بين أن يكون الكلام كذلك، وبين أن تنتهي فصاحته إلى حيث تنتقض العادة بَونٌ، وهذه الآيات لا يكاد يذكرها إلا المتكلم الذي لا يتصور من أقسام الفصاحة إلا جزالة اللفظ.
  وذلك لعمري قسم منها عظيم الموقع، وإن كانت أقسام الفصاحة كثيرة متنوعة، على ما نذكرها ونبينها بعد الفراغ من هذا الفصل، وإنما صار هذا القسم يشترك في العلم به من خفَّتْ بضاعته في معرفة كلام العرب أو توفرت، لأن لها حلاوة تُدرك من جهة السمع، كما أن للألوان المخصوصة كالصفرة والخضرة ونحوهما حلاوة تدرك من جهة البصر، وكذلك ما يختص سائر الحواس، وليس كذلك سائر أقسام الصناعات، لأن العلم بها مفتقر إلى العلم بطرائق العرب في منظوم كلامهم ومنثوره، وجهات تصرفهم فيها، وكثير من أحوال لغاتهم وعاداتهم في إيرادها.