الكلام في بيان ماله كان معجزا
  أحوالهم، طلب الأسلوب والفصاحة معا، ولم يكن فيهم من كان يأتي بشعر أو خطبة فيدعي أنه قد أتى بما يقاربه، فدل ذلك على أنهم أجمعون عرفوا أن المقصود بالتحدي هو النظم والفصاحة معا. فدل ذلك على صحة ما قلناه.
  على أن قوله ø: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ}[البقرة: ٢٣]، وقوله ø: {فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ}[هود: ١٣]، يدل على أن النظم مقصود بالتحدي، لأن اسم السورة لا ينطلق على الشعر، ولا الخطبة، ولا الرسالة، ولا أسجاع الكهنة، ولا المحاضرة، وإنما ينطلق على ما له هذا النظم المخصوص.
  فإذا كان كذلك، كان قوله: {قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ}[يونس: ٣٨] جاريا مجرى أن يقول: فأتوا بجملة لها هذا النظم المخصوص، فبان صحة ما ادعيناه من تعلق الاعجاز بالنطم مع الفصاحة.
  فإن قيل: إذا ثبت أن هذا النظم المخصوص لم تكن العرب تعرفه، ولا جرت عادتها باستعماله، فمن أين ادعيتم أن اسم السورة يتناوله دون سائر أجناس الكلام؟!
  قيل له: هذا الاسم جاري مجرى الأسماء الشرعية، لأنه لم تكن العرب تستعمله في جمل شتى من أجناس الكلام، وإنما استُعمِلَ ذلك بعد نزول القرءان، إلا أنه لما قال ø: {بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ}[البقرة: ٢٣]، وقال: {عَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ}[هود: ١٣]، صح أنه يجوز استعماله فيما يجانس نظمه من الكلام.