الكلام في بيان ماله كان معجزا
  وهذه دلالة قوية يجوز أن تعتمد ابتداء، في بيان أن النظم مقصود بالتحدي، وإذا ثبت ذلك، ثبت تعلق الاعجاز بالنظم على ما قلناه.
  فإن قيل: ما تنكرون على من قال لكم: إن الاعجاز تعلق بالنظم فقط؟
  قيل: قد تقدم بيان فساد قول من يقول ذلك. لأنا بيَّنا أن مثل هذا النظم لا يجوز أن يتعذر على من لا يتعذر عليه سائر أجناس النظم، وذلك يُسقِط هذا السؤال.
  ولا يصح أيضا سؤال من يسأل فيقول: إذا لم يكن النظم معجزا، فيجب أن تكون الفصاحة هي المعجزة.
  ولا سؤال من يسأل فيقول: إن الفصاحة قد انتقضت بها العادة، فلا وجه لضم الأسلوب إليها، لأنا قد بيَّنا أن الاعجاز بهما تعلَّق، وأنه لا سبيل لنا إلى العلم بأن فصاحة القرءان قد بلغت إلى حد انتقضت به العادة، وبيَّنا أن الاعجاز بهما تعلَّق - أعني النظم والفصاحة - وأن ذلك جاري مجرى العلة ذات وصفين، في أن كل واحد من الوصفين لا يتعلق الحكم به على الانفراد.
  فإن قيل: فإذا قلتم: إن النظم على الانفراد غير متعذر على البشر، وكذلك الفصاحة على الانفراد غير متعذرة على البشر، فكيف يصح أن تقولوا: يتعذر عليهم الجمع بينهما؟! وهذا يؤدي إلى القول بأن الاتيان بمثل القرءان لا يتعذر على البشر!