إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

الكلام في بيان ماله كان معجزا

صفحة 185 - الجزء 1

  دون غرضه، وهبط دون مرتقاه، وليس ذلك إلا أنه يفقد العلم الذي معه يصح إيقاع الفصاحة في هذا النظم المخصوص.

  فإن قيل: ما تنكرون على من قال لكم: إذا كان هذا النظم لم يكن عُرِفَ قبل النبي ÷، فما أنكرتم أن يكون معجزا على الانفراد، لأنه بالاتيان به يكون ناقضا للعادة؟

  قيل له: ليس معنى قولنا في المعجز: إنه ناقض للعادة، أنه أتى به من غير أن كان مثله قبل ذلك الوقت، لأن السبق إلى الشيء لا يوجب كونه معجزا. ألا ترى أن كثيرا من الصناعات قد ابتدئت، ووقع السبق إليها من أقوام، ولا يصح ادعاء المعجز في شيء [منها].

  وإنما نريد بقولنا: إنه ناقض للعادة، أن مثله يتعذر على جميع البشر. والعادة المنقوضة استمرار الحال في تعذره على ما قلنا.

  فأما قول من يقول: إن الاعجاز في الصرف في جملة القرءان، فهو عندي بعيد جدا، لأن الصرف عن الشيء يمكن أن يُدَّعا، إذا عُلِمَ أنه مقدور عليه، غير متعذر وجود مثله، ممن ادعا أنه مصروف عنه.

  وليس هاهنا ما يبين أن الاتيان بمثل القرءان كان ممكنا للعرب غير متعذر عليهم، بل قد ذهبنا على خلاف ذلك، فبان سقوط من ادعاه.

  وأيضا القول بذلك يؤدي إلى أن يُعرف الفرق بين ما يتعذر على الناس، وبين ما لا يتعذر، لأنه لو جاز لهم أن يقولوا: إن العرب صُرِفوا عن الاتيان بمثل القرءان، وإن لم يثبت تَأَتِيِّه منهم، لجاز أن