إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

الكلام في بيان أن القرءان في أعلى طبقات الفصاحة

صفحة 194 - الجزء 1

  ومن أقسام الفصاحة: جزالة اللفظ، وهي موجودة في جلِّ القرءان وجمهوره، وإن لم يوجد في جميعه - كما قلناه - في القسمين الأولين، لأنه في قوة الطويل الذي يصرف على معاني مختلفة، ومقاصد متباينة، وأغراض متمايزة، كالأوامر والنواهي، والزواجر والمواعظ، والوعد والوعيد، والقصص والمثل، أن يكون جميعه مؤلفا من ألفاظ جزلة، لأن جزالته تكون لتأليفه من حروف مخصوصة، والكلام مبني من الأسماء والأفعال والحروف، وفي الكثير من الأسماء والأفعال والحروف ما لم يؤلف من الحروف التي تقتضي الجزالة، والفصيح إذا صار إلى تلك الأسماء والأفعال والحروف، فلا بد من إيرادها على ما هي عليه، إذا كان متكلما بكلام العرب.

  ولهذا لا يمكن في شيء من أشعار فحول الشعراء، وكلام البلغاء، أن يكون من أوله إلى آخره مؤلفا من ألفاظ جزلة.

  فأما العذوبة فهي أمكن، لأنها تكون بالتلاؤم، وأن لا تكون الكلمة مؤلفة من حروف متنافرة، وذلك أمكن من الجزالة، وقد يكون ذلك بتلاؤم الحركات والسكنات، كما يكون بتلاؤم الحروف، وأما مواضعها من القرءان فأكثر من أن يأتي عليها الاحصاء والعد، ونحن نذكر منها مواضع ننبه بها على ما سواها.

  من ذلك قوله ø: {كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ ١٧}⁣[البقرة].