الكلام في بيان أن القرءان في أعلى طبقات الفصاحة
  فمن ذلك قوله ø: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ ١٧}[البقرة]، فشبَّه المنافقين الذين أظهروا الإيمان، وانتفعوا به بين المسلمين، بمن استوقد نارا، حتى أضاءت ما حوله، وشبَّه أحوالهم عند الموت وبعد الموت، في أنهم لا ينتفعون بما أظهروه من الإيمان، ثم {ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ} حتى بقوا في {ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ ١٧}، ثم استعار لهم ø اسم الأصم والأبكم، وضم الأعمى فقال: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ١٨}[البقرة]، فهم في إعراضهم عن استماع الحق بمنزلة الصُّم الذين لا يسمعون، وفي تركهم النطق بالحق - على ما أمرهم الله ø ودعاهم إليه - بمنزلة الخرس الذين لا ينطقون.
  ثم قال ø: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ ...}[البقرة: ١٩] إلى آخر الآية، فشبههم في حيرتهم وتبلدهم، واضطراب أمورهم، وحرج صدورهم، بمن يكون في ظلمات ورعد وبرق، ثم ذكر هذا المعنى بقوله ø: {وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء}[الأنعام: ١٢٥]، ثم زاد في وصف أحوالهم، فقال: {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ}[البقرة: ٢٠]، ثم رد ø هذا المعنى - أعني تأثير البرق في الأبصار - في غير