إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

الكلام في بيان أن القرءان في أعلى طبقات الفصاحة

صفحة 201 - الجزء 1

  ومن الاستعارة الحسنة العذبة مع الجزالة قوله ø: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا}⁣[مريم: ٤]، فاستعار للبياض اسم الاشتعال، مصبوبا في قالبه، مقصورا عليه، وهذا من الفصاحة البالغة.

  ومن ذلك قوله ø: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ...}⁣[النور: ٣٥] إلى آخر الآية، فسمى نفسه باسم: النور، لَمَّا كان ø هو خالق النور ومنشؤه، مع ما فيه من النفع العظيم لأهل السماوات والأرض، وهذا من الاستعارة الحسنة، ومن تسمية الفاعل بفعله. ومنه قول الشاعر:

  ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت ... فإنما هي إقبال وإدبار

  وعلى هذا تَأَوَّل مَن قرأ: إنه عمَلٌ غير صالح - برفع اللام وفتح الميم - ثم شبَّه نوره بالمصباح، فقال: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ}⁣[النور: ٣٥]، ثم شبَّه الزجاجة بالكوكب، فقال: {الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ}، وهو أضوأ الكواكب، ثم عاد إلى ذكر المصباح، وهذا يسمى الالتفات، فقال: {يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ} ... إلى قوله: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء}، فعاد إلى ذكر النور، وهذا أيضا مما يسمى: الالتفات، وهو