إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

الكلام في ذكر ما في القرءان من الإخبار عن الغيوب

صفحة 237 - الجزء 1

  على أن ذلك لو لم يكن معلوما أنه صدق، وأنه من عند علام الغيوب، كان النبي ÷ لا يتلوه عليهم، خشية أن يكون المخبَر بخلافه فيظهر كذبه.

  فإن قيل: هذا معلوم لكل عاقل أنكر فيه، فإن المعلوم من أحوال الناس أن الظفر بالأموال التي لا مدافع عنها، أحب إليه من الظفر بالمقاتلة للذين لا يظفر بهم إلا بعد شدة، وبعد أن يقتل منهم من يقتل، ويجرح من يجرح.

  قيل له: هذا الذي ادعيتم غير مستمر، وإن كان الأكثر ما ذكرتم. وذلك أن من الناس من يكون قتلُ الأعداء وأسرُهم وجرحُهم والظفر بهم، أحب إليه من كثير من الأموال التي تأتيه عفوا، ولهذا ترى الرجل ينفق ماله من طارف وتليد ليتوصل به إلى النكاية في العدو.

  وإذا ثبت ذلك، ثبت أن إخباره عن جميعهم - مع كونهم معروفين بشدة الحمية والعصبية - أنهم يودون أن غير ذات الشوكة تكون لهم، خبر عن الغيب.

  ومن ذلك قوله ø: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ١٢}⁣[آل عمران]، والخبر عن أن الكفار الذين كانوا يعادون رسول الله ÷ يغلبون، خبر عن الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، ولأنه لا سبيل لأحد إلى أن يعلم أن أولئك الكفار، مع كثرة عددهم، ووفور عددهم، هم