إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

الكلام في ذكر ما في القرءان من الإخبار عن الغيوب

صفحة 251 - الجزء 1

  وأخذها عن أهلها. ولم يكن للعرب اختصاص بهذا الجنس من العلم، ولم يُعرف أحد منهم به، ولم يكن يجوز أن يخفى عليهم.

  ومن المعلوم أن النبي ÷ كان مولده ومنشؤه في أقوام لم يتعاطوا هذا العلم، ومسافرته إلى الشام قبل البعثة كانت مع قومه، وكانت أياما قليلة. فبان بما بيناه أنه لم يكن من أهل هذه الصنعة.

  على [أن] المتعاطي لهذه الصنعة إذا بلغ مبلغ المتوسطين منها، فلا بد ل هـ من مدارسة أهله، والنظر في كتبهم، بل لا بد ل هـ من آلات يعرف بها الطوالع التي يبني عليها الاحكام. فكيف من بلغ الغاية؟! وإذ قد علمنا أنه ÷ لم يتعاط شيئا من ذلك، ولم يشتغل به، ولم يعرف شيئا منه، فقد بطل قول من قال: إن ما أتاه # أتاه من طريق النجوم.

  وأيضا بمثل ما عرفنا أن الفرزدق وجريراً لم يكونا فقيهين ولا متكلمين، وأن أبا حنيفة وأبا يوسف ومحمداً لم يكونوا شعراء، وأن سيبويه لم يكن متكلما، وأن أبا الهذيل لم يكن متطببا، وأن الشافعي لم يكن متفلسفا. نعلم أن النبي ÷ لم يكن منجما.

  فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون النبي ÷ كان يرى ذلك في المنام، وكان قد عرف من نفسه أنه صحيح الرؤيا، فكان يخبر بما يرى، تعويلا على ما عرف من نفسه؟!