إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

ذكر ما قيل في أمره ÷ على سبيل التأكيد

صفحة 309 - الجزء 1

  وأحواله ÷ جرت على خلافه. فدل ذلك على أنه كان صادقا في قوله، واثقا بربه، نافذا في بصيرته، ماضيا على المنهاج الواضح ÷.

  ومن ذلك أن العرب لم تزل معروفة بالأنفة، وشدة الحمية، مشهورة بالتكبر والتعاظم، ولذلك قط لم يجمعهم على الطاعة ملِك منهم، ولم يخضعوا لعظيم من عظمائهم، ولم يدينوا لأحد منهم.

  خلاف سائر الأمم، فإن أمة من الأمم لم تخل من ملك منهم يصرفها، وعظيم يدبر أمورها منها، ولم يكن ذلك إلا لأن الجل من العرب كانوا يعتقدون من أنفسهم أحوالا من الكبرياء، تمنعهم عن أن ينقاد بعضهم لبعض، لعزة نفوسهم، وقوة قلوبهم، وظهور فضائلهم النفسية.

  ثم دانوا لرسول الله ÷ بالطاعة، وخفضوا ل هـ جناح الذلة، وخضعوا تحت أحكامه، وتصرفوا على قضايا أوامره ونواهيه، جارفين عاداتهم العادية، ومخالفين سجاياهم القديمة، ويَجِلُّون أن يكونوا فعلوا ذلك إلا لأنه ÷ بهرهم وقهرهم بحجته، وقطع معاذيرهم بآياته المعجزة، ودلالاته الواضحة.

  وهل يكون لنقض العادة إلا مثل ما اتفق في أحوالهم، والخضوع بعد الاستكبار، والانقياد بعد الإباء؟! ولهم الإصابة والفهم البيِّن، والرأي الثاقب، والبصيرة الثابتة؟!