الكلام في أن معارضة القرءان لم تقع
  الدواعي إلى نشره قوية، والبواعث على ذكره شديدة، ما لم يعرض ما يوجب تغيُّر حال الدواعي والبواعث، ومتى لم يكن له نقل يوجب العلم فيجب القطع على أنه لم يكن.
  وشيء مما ذكرتم لا يلزم على هذا - على ما نبيِّنه - بأن كثيرا من معجزات رسول الله ÷ يجوز أن يكون ظهر للواحد، أو الاثنين، أو الثلاثة، دون العدد الكثير. ومثل هذا مما لا يصح أن يتواتر به الخبر.
  وكثير من معجزاته ÷ وإن كانت ظهرت، بشهادة العدد الكثير. يجوز أن تقوى الدواعي إلى نشرها والبواعث عليها، تعويلا على غيرها، ويجوز أن تضعف الدواعي على نقلها على مر الأيام، لقيام غيرها مقامها، وإن كانت الدواعي والبواعث في أول الأمر قوية.
  وكل هذا يجوز أن يكون الأصل صحيحا، وإن لم يتواتر النقل به، وعلى هذه الطريقة يجري الكلام في أحوال الدنيا والمعاملات، لأنا نجوِّز في السلطان أن يفعل أفعالا كثيرة مما تخصه فلا تُنقل نقلا متواترا. ولا يجوز أن يفعل فعلا يعم نفعه أو ضرره ظاهرا ذائعا، فلا يتواتر في المدة بعد المدة إلى أن يعرض ما يوجب ضعف الدواعي والبواعث إلى نقله، ولهذا جاز أن تخفى كثير من معجزات الأنبياء المتقدمين